مقالات

إصرار شمس التبريزي على الإساءة والإهانة تجاه السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

​اعتداء وإهانة شمس التبريزي والحط من منزلة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) + المستندات

لقد استخفَّ “شمسُ التبریزي” مقامَ المعرفةِ والخوفِ والخشيةِ لسيّدةِ نساءِ الخلق، وقرينةِ أميرِ عالَمِ الخلق، السيدةِ فاطمةَ الزهراء عليها السلام، واعتبرَه مقامًا وضيعا، بل أهانها صراحةً، ولم يَعُدّ عبادةَ أُمّ الأئمّةِ عليهم السلام ناشئةً عن المحبّةِ والشوق، وقال ما نصّه:«النّاسُ لا يُعجِبُهُم الكلامُ الّذي فيه النّجاة، بل يُعجِبُهُم كلامُ أهلِ النّار. والكلامُ الّذي فيه النّجاةُ هو الصّدق. لا محالةَ نحنُ أيضًا نَصِفُ جهنّمَ وصفًا شديدًا[1] حتّى يموتَ السّامعُ من الخوف! فاطمةُ رضيَ اللّهُ عنها لم تكن عارفةً، بل كانت زاهدةً، وكانت دائمًا تسألُ النّبيَّ عن أخبارِ جهنّم.»[2]

مُلَاحَظَةٌ: فِي مُصْطَلَحَاتِ الصُّوفِيَّةِ وَأَدَبِيَّاتِهِمْ، يَطْلُقُونَ وَصْفَ “زُهَّادٍ” عَلَى أُولَئِكَ الظَّاهِرِيِّي النَّظَرِ، وَالمُتَحَجِّرِي الفِكْرِ، وَالقَشْرِيِّي التَّقْوَى، وَالخَالِيْنَ مِنْ مَقَامِ المَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، حَيْثُ يَعْتَبِرُونَ مَقَامَ العَارِفِينَ أَعْلَى وَأَرْقَى بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ.

إِنَّ التَّعْبِيرَ بِمِثْلِ هَذِهِ الأَقْوَالِ يَكْشِفُ أَنَّ قَائِلِيهَا – عَلَى عَكْسِ مَا يَدَّعِيهِ البَعْضُ لَهُمْ – لَمْ يَكُونُواْ يَمْتَلِكُونَ فَهْمًا صَحِيحًا أَوْ مَعْرِفَةً حَقِيقِيَّةً بِمَنْزِلَةِ الأَنْوَارِ المُقَدَّسَةِ لِلأَئِمَّةِ المَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). كَذَلِكَ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ – بِدُونِ اخْتِلَافٍ – يَعْتَرِفُونَ بِمَقَامِ الإبْنَةِ الکریمةِ لرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَشَأْنِها؛ فَإِنَّ إِطْلَاقَ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ يُعْتَبَرُ دَلِيلًا عَلَى حِقْدٍ وَانْحِرَافٍ عَقِيدِيٍّ عَمِيقٍ عِنْدَ قَائِلِهِ. مِنَ الْبَدَيهِيِّ أَنَّ وُجُودَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَقُولَاتِ الْمُنْحَرِفَةِ يَجْعَلُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ تَبَرِيرَ بَقِيَّةِ انْحِرَافَاتِ أَصْحَابِهَا بِحُجَّةِ التَّقِيَّةِ، أَوِ اعْتِبَارَهُمْ مِنْ شِيعَةِ آلِ اللهِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) الْحَقِيقِيِّينَ.

هَلْ كَانَتْ عِبَارَةُ شَمْسٍ اسْتِفْهَامًا (سُؤَالًا)؟ وَهَلْ وَقَعْنَا نَحْنُ فِي مُغَالَطَةِ “المُمَارَاةِ” فِي فَهْمِنَا؟

بَعْضُ الصوفیةِ فِي عَصْرِنَا الْيَوْمَ، قَدْ قَامُوا بِالدِّفَاعِ عَنْ شَمْسٍ وَزَعَمُوا أَنَّ فَهْمَ هَذَا النَّصِّ خَاطِئٌ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ مُغَالَطَةِ المُمَارَاةِ (حَيْثُ يُقَدَّمُ الْكَلَامُ فِي صِيغَةِ اسْتِفْهَامٍ وَمَقْصُودُهُ النَّفْيُ وَالتَّعَجُّبُ). وَبِحَسَبِ دَعْوَاهُمْ، فَإِنَّ مَضْمُونَ عِبَارَاتِ شَمْسٍ هُوَ كَالآتِي:« اِسْتَخْدَمَ شَمْسٌ الاِسْتِفْهَامَ الاِنْكَارِيَّ لِلتَّعَجُّبِ وَالنَّفْي لِيُبَرِّرَ قُدْرَتَهُ عَلَى الْكَلَامِ عَنْ جَهَنَّمَ، فَقَالَ: أَكَانَتْ فَاطِمَةُ – الَّتِي كَانَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِاسْتِمْرَارٍ عَنْ أَخْبَارِ جَهَنَّمَ – زَاهِدَةً وَلَمْ تَكُنْ عَارِفَةً؟ كَلَّا! بَلْ كَانَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) عَارِفَةً، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ بِاسْتِمْرَارٍ عَنْ أَخْبَارِ جَهَنَّمَ؛ وَإِذَا كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنَّ عُرَفاءَ مِثْلِي – شَمْس – يَفْعَلُونَ ذَلِكَ تَبَعًا لَهَا.»

وَقد أطَالُوا فِي شَرْحِ ذَلِكَ مُدَّعِينَ أَنَّ “أَدَبَ الْبَحْثِ الْعِلْمِي يَحْكُمُ بِأَنْ نَكُونَ مُتَفَائِلِينَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى…”.

وَلَكِنَّهُمْ عَلَى مَا يَبْدُو لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى أَنَّهُ قَبْلَ تَبْرِئَةِ شَمْسٍ وَإِلْصَاقِ اتِّهَامِ سُوءِ الظَّنِّ بِالنُّقَّادِ، فَإِنَّ نَفْسَ أَدَبِ الْبَحْثِ كَانَ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْحَثُوا وَيَتَحَقَّقُوا أَوَّلًا، حَتَّى لَا يَتَّهِمُوا النُّقَّادَ وَالْبَاحِثِينَ الَّذِينَ نَقَدُوا شَمْسًا نَقْدًا مُبَرَّرًا، وَهَذَا مِنَ الْأُسُسِ الْأَوَّلِيَّةِ لِلْأَخْلَاقِ الْعِلْمِيَّةِ.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّدِّ، فَيَجِبُ القَوْلُ بأنَّ هَذِهِ التَّفاسِيرَ الغَرِيبَة لِكَلامِ شَمْسِ التَّبْرِيزِيِّ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تُمَثِّلُ وَاضِحًا “تَفْسِيرًا بِمَا لَا يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ” (أَيْ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِ قَائِلِهِ قَصْدًا)، وَهِيَ تُشبِهُ خَرْطَ القَتاد لِتَبْرِئَتِهِ. فَهُنَاكَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ تُثْبِتُ أَنَّ مَقْصُودَ شَمْسٍ هُوَ نَفْسُهُ الْإِسَاءَةُ إِلَى حَضْرَةِ السَّيِّدَةِ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ أَيّةُ مُغَالَطَةٍ.فَنُقِلَ عَنْ شَمْسٍ كَلَامٌ آخَرُ فِي نَفْسِ السِّيَاقِ، َفِي هَوَامِشِ كِتَابِ “مَقَالَاتِ شَمْس” ، طَبْعَةِ مُحَمَّد عَلِيّ مُوَحِّد؛ يَكْشِفُ عَنْ إِصْرَارٍ شَنِيعٍ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَ الوِقاحِة نَحْوَ الْمَقَامِ الْمُقَدَّسِ لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ (سَلَامُ اللهِ عَلَيْهَا)؛ حَيْثُ يَقُولُ شَمْسٌ وَهُوَ يَنْقُلُ رِوَايَةً مَوْضُوعَةً وَمُخْتَلَقَةً:«كَانَ النَّبِيُّ قَدْ عَادَ مِنَ الْمِعْرَاجِ، فَكُلُّ شَخْصٍ كَانَ يَسْأَلُ عَمَّا يُنَاسِبُ حَالَهُ فِيهِ: أَحَدُهُمْ عَنِ اللِّقَاءِ (الرُّؤْيَةِ)، وَآخَرُ عَنْ صِفَةِ الْجَنَّةِ. أَمَّا فَاطِمَةُ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) فَقَالَتْ: أَنَا لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ (أَيْ لَسْتُ فِي تِلْكَ الْحَالَاتِ)، إِنَّمَا عِنْدِي خَوْفٌ، فَصِفْ لِي جَهَنَّمَ.»

أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْأَلُ عَنْ حَالَتِهِ الرُّوحِيَّةِ؛ فَالْعُرَفاءُ الْفَانُونَ فِي اللهِ سَأَلُوا عَنْ لِقَاءِ الْحَقِّ، وَبَعْضُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ طَمَعًا فِي الْجَنَّةِ سَأَلُوا عَنْهَا. أَمَّا السَّيِّدَةُ الزَّهْرَاءُ فَلَمْ تَكُنْ – حَسَبَ زَعْمِهِ – عَارِفَةً تَشْتَاقُ لِرُؤْيَةِ الْحَقِّ وَلَا طَامِعَةً فِي الْجَنَّةِ، بَلْ كَانَتْ مُجَرَّدَ زَاهِدَةٍ (خَائِفَةٍ) تَسْأَلُ عَنْ جَهَنَّمَ.

أَمَّا الْقَرِينَةُ الْأُخْرَى لِرَدِّ ادِّعَاءَاتِ بَعْضِ الصوفیّین المُعاصرین، فَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ صَحِيحًا، لَكَانَ مُحَقِّقَا كِتَابِ “مَقَالَاتِ شَمْس” – وَهُمَا الدُّكْتُورُ مُحَمَّد عَلِيّ مُوَحِّد[3] (الَّذِي هُوَ استاذٌ بارعٌ في الأدبٍ وَ مِنْ مُعْجَبِي شَمْسٍ وَقَدْ  صَحَّحَ كُتُبَهُ وهو ملمٌّ بأسسِ شمس و مطالبه. وَالْأُسْتَاذُ جَعْفَرُ مُدَرِّسُ صَادِقِي – قَدْ قَامَا بِتَصْحِيحِ الْنَّصِّ وَالتَّنْبِيهِ إِلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ اللَّفْظِيَّةِ أَثْنَاءَ التَّحْقِيقِ.

يُمْكِنُكُم مُشَاهَدَةُ الْوُثَائِقِ وَالصُّوَرِ لِكِلَتا الْعِبَارَتَيْنِ لِشَمْسِ التَّبْرِيزِي فِي نُسْخَتَيْن من “مَقَالَاتِ شَمْس”:

۱.مَقَالَاتُ شَمْس – نُسْخَةُ مُحَمَّد عَلِي مُوَحَّد

٢. مَقَالَاتُ شَمْس – نُسْخَةُ جَعْفَرِ مُدَرِّسِ صَادِقِي

فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمَعَ إِهْمَالِهِ لِلْمَقَامِ الرَّفِيعِ وَالْمَلَكُوتِيِّ لِلسَّيِّدَةِ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، يَقولُ شَمْسُ التَّبْرِيزِيُّ بِوَقاحَةٍ بِأَنَّ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ (سَلَامُ اللهِ عَلَيْهَا) لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْقِيَادَةِ الرُّوحِيَّةِ وَهدَايَةِ النَّاسِ، وَأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ فَوْقَ طَاقَتِهَا وَخَارِجًا عَنْ وُسْعِهَا، حَيْثُ يَقُولُ:« لَا يَصْدُرُ القیادةُ الرُّوحِيّة مِنَ الْمَرْأَةِ. فَقِيلَ لَهُ: بَلَى، يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُرَ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ “بَارِدًا” (غَيْرَ نَافِذٍ). فَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَى “بَارِدًا”. مَعْنَى “بَارِدًا” أَيْ أَنَّهُ يَصْدُرُ مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ أَقَلَّ حَيَوِيَّةً وَحَرَارَةً مِنَ الرَّجُلِ. بَلِ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ مِنْهَا أَصْلًا، لَا “بَارِدًا” وَلَا “حَارًّا”. لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ أَوْ عَائِشَةَ قَامَتَا بِمَهَمَّةِ التَّوَجُّهِ الرُّوحِيِّ، لَخَسِرْتُ اعْتِقَادِي بِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ). وَلَكِنَّهُمَا لَمْ تَفْعَلَا ذَلِكَ.»[4]


[1] لِنَنْثُرْ – خ

[2] شَمْسُ التَّبْرِيزِي، مَقَالَاتُ شَمْس، تحقيق: مُحَمَّد عَلِي مُوَحَّد، طَهْرَان: دَارُ خُوَارِزْمِي، ١٣٦٩ هـ.ش، ص ١٤٢

[3] مُحَمَّد عَلِي مُوَحَّد (وُلِدَ فِي ٢ خَرْدَاد ١٣٠٢ هـ.ش بِتَبْرِيز) شَاعِرٌ وَأَدِيبٌ فِي التَّصَوُّفِ، وَمُؤَرِّخٌ، وَقَانُونِيٌّ، وَعُضْوٌ دَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَالْأَدَبِ

[4] شَمْسُ التَّبْرِيزِي، مَقَالَاتُ شَمْس، تحقيق: مُحَمَّد عَلِي مُوَحَّد، طَهْرَان: دَارُ خُوَارِزْمِي، ١٣٦٩ هـ.ش، ج2، ص 157 -158

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button