مقالات

الفلسفة الصدرائية في العصر الحديث لا تمتلك أيّ قيمة علميّة

كانت الفلسفة القديمة مجموعة من الأفكار التي ظهرت في العصور القديمة عن العالم، ومعظم هذه الأفكار كانت خاطئة. وكانت المسائل الإلهيّة والأفكار الوجوديّة تُدرج تحت عنوان “ما بعد الطبيعة” (الميتافيزيقا)، كما كان يُطلق على التخمينات الشعرية عن العالم الخارجي اسم “الفيزياء”، مع أنّها لا تشترك كثيراً مع العلوم الطبيعية الحديثة.

وللإجابة على النوعين من الأسئلة (الطبيعيات والميتافيزيقا)، استُخدمت أساليب متشابهة، غير أنّ هذه الأساليب فشلت طوال ألفي سنة في فهم الطبيعة فهماً صحيحاً. وقد تأسست العلوم الطبيعية الحديثة بعد أن تخلّصت من تلك الأساليب القديمة، واعتمد الباحثون لفهم تعقيدات الكون على الرياضيات والتجارب الدقيقة والمتقدمة جداً.

يصف المرحوم «مرتضى مطهري» أصل مصطلح الميتافيزيقا على النحو الآتي:

« أرسطو هو أوّل من اكتشف هذا العلم بوصفه علماً مستقلاً، ومنحه مكانة خاصّة بين سائر العلوم. لكنه لم يُطلق عليه اسماً محدداً. وبعد وفاته، جُمعت مؤلفاته في مجموعة، وكان هذا القسم يقع – من حيث الترتيب – بعد قسم الطبيعيات، ولأنّه لم يكن له اسم خاص، سُمّي ما بعد الطبيعة (Metaphysics)، أي “ما بعد الطبيعيات”. وقد تُرجمت كلمة Metaphysics إلى العربية بـ ما بعد الطبيعة.»[1]

يضيف مطهري قائلاً:

« فيما بعد، أدّى هذا الخطأ اللفظي والترجمي بين الفلاسفة المتأخرين إلى خطأ معنوي أيضاً. فقد ظنّ عدد كبير من الأوروبيين أنّ عبارة « ما بعد الطبيعة» تعني ما وراء الطبيعة، واعتقدوا أنّ موضوع هذا العلم هو الأمور الخارجة عن الطبيعة. بينما في الحقيقة، كما بيّنّا، فإنّ موضوع هذا العلم يشمل الطبيعة وما وراءها، وباختصار كلّ ما هو موجود.»[2]

كان ملا صدرا يرى اتّحاد الفيزياء والميتافيزيقا، وكان يَعيب المتكلّمين الشيعة بسبب اختلاف آرائهم الكلاميّة، ويعتبر أنّ جهلهم بالعلوم الطبيعيّة دليلٌ على بطلان آرائهم في العقيدة. غير أنّه في عصرنا الحاضر تبيّن بوضوح أنّ الطبيعيات عند الفلاسفة لم تكن سوى أوهام، وهي خالية من أيّ حقيقة علميّة. وقد قال في كتابه الأسفار الأربعة:

«هم بالحقيقة أهل البدع و الضلال- و قدوة الجهلة و الأرذال شرهم كلهم على أهل الدين و الورع و ضرهم على العلماء- و أشدهم عداوة للذين آمنوا من الحكماء و الربانيين هذه الطائفة المجادلة المخاصمة- الذين يخوضون في المعقولات و هم لا يعرفون المحسوسات و يتعاطون البراهين و القياسات و هم لا يحسنون الرياضيات و يتكلمون في الإلهيات و هم يجهلون الطبيعيات.» [3]

وفي العصر الحديث ثبت أنّ الطبيعيات التي تحدّث عنها الفلاسفة، أي فهمهم للطبيعة، لا تمتلك أيّ قيمة علميّة. فالنظريات العلميّة الحديثة في مجالات الحركة، والنور، والسماء، والمكان والزمان، والتناسق، وطبيعة الحياة، وجوهر الأشياء وتراكيبها الجزيئية، وعمل الدماغ البشري، والأمراض، والوراثة الجينيّة، والحبّ وغيرها، لا تتوافق إطلاقاً مع آراء الفلاسفة.

وكتب المرحوم السماحة الميرزا جواد الطهراني يقول:« منذ أن دخلتُ في الحكمة القديمة، لم يكن عندي حسنُ ظنٍّ بجميع ما قاله الكبار؛ لأنّي كنت أعلم إجمالاً مخالفة العلوم الحديثة وآراء المتأخرين لما قاله الحكماء والفلاسفة القدامى في الطبيعيات وعلم الهيئة. ولهذا كنتُ أتفحّص بدقّة كلّ ما أقرأه، وأتأمّل في صحّته أو بُطلانه، فلا أقبل شيئاً أجد عليه إشكالاً، ولا أصدّق ما لا أقدر على التمييز بين صوابه وخطئه. وكان هذا الأمر راسخاً في ذهني: إذا كان هؤلاء قد أخطأوا في الطبيعيات، فكيف لا يخطئون في الإلهيات؟! وخصوصاً أنّني كنت أرى اختلافهم وتنازعهم في مسائل الإلهيات، فكنت أقول في نفسي: كيف يُعرف الحقّ من كلامهم؟!

على أيّ حال، المقصود من ذكر هذه القصة ؛ أنّي منذ شبابي ـ بفضل الله تعالى وتوفيقه ـ كنت طالباً للحقّ وباحثاً عنه، لكن لا الفطرة ولا القرآن ولا الحديث أوجدت في نفسي أدنى ميلٍ إلى توحيد الصوفيّة. نعم، الثقافات الخارجة عن هذه المصادر هي التي عرّفتني بمقولاتهم ومذاهبهم.

بل نقول: إنّه يستحيل أن يتوجّه أحدٌ إلى توحيد الصوفيّة من خلال مدرسة القرآن والحديث نفسها!»[4]

یقول آیة الله العظمى الشیخ لطف الله الصافی الگلپایگانی رحمه الله: « إنّ هؤلاء السادة، وفقاً لنظریاتهم، رسموا خریطةً فرضیةً لما سوى الله، وحدّدوا بها تنظیم الکون والأفلاک، وظنّوا أنّهم وضعوا خریطةً لکیفیة علاقة المحدث بالقدیم، وصدور الکثرة عن الواحد؛ کأنّهم کانوا مع الله فی جمیع الأحوال والتحوّلات والأدوار الکونیة. وعلى هذا الأساس، ذکروا عالم العقول والمجرّدات، وتخیّلوا سلاسل مراتب، غیر أنّه مع ظهور العلوم والفنون الحدیثة، تبیّن بطلان أغلب تلک الخرائط. والطریق الصواب المأمون من الزلل أن یکتفی الإنسان فی هذه الأمور بأخبار النبیّ الصادق المصدَّق (صلّى الله علیه وآله).»[5]


[1] مرتضى مطهري، كليات العلوم الإسلامية: المنطق – الفلسفة، الدرس الثاني، ص 135، منشورات صدرا، طهران، 1381هـ ش

[2] مرتضى مطهري، كليات العلوم الإسلامية: المنطق – الفلسفة، الدرس الثاني، ص 136، منشورات صدرا، طهران، 1381هـ ش

[3] صدر الدين الشيرازي (ملا صدرا)، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج 1، ص 363، دار إحياء التراث العربي، بيروت

[4] جواد الطهراني، ماذا یقول العارف والصوفي ، ص 323، دار النشر آفاق، طهران، 1390هـ ش

[5] الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، شرح حديث عرض الدين لحضرة عبد العظيم الحسني، ص 107، قم، 1394هـ ش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button