مقالات

صدر المتألهین والاستغناء عن الحجة المعصوم بعد ختم النبوة وفي آخر الزمان / تقریر الدكتور دینانی

الاستغناء عن الإمام المعصوم في عصر الغيبة في كلام ملاصدرا

طرح ملاصدرا في شرحه على أصول الكافي قولا غریبا. فقد ذكر في ذيل الحديث الحادي والعشرين من أحاديث كتاب العقل والجهل من أصول الكافي كلاماً يشير فيه إلى اكتفاء البشر بالعقل بعد ختم النبوّة، وأنّ الناس في آخر الزمان لا يحتاجون إلى حجّةٍ معصوم بسبب ترقیة عقولهم.

الحديث ۲۱ من أحاديث كتاب العقل والجهل من أصول الكافي:«عن ابى جعفر علیه السلام قال: اذا قام قائمنا وضع اللّه یده على رءوس العباد فجمع بها عقولهم و کملت احلامهم»[1]

يكتب ملاصدرا في شرح الحديث المذكور ما يلي:ثم من بعثه الرسول صلّى اللّه علیه و آله الى اخر الزمان کانت الاستعدادات فى الترقى و النفوس فى التلطف و التزکى، و لهذا لم یحتاجوا الى رسول اخر یکون حجهَ من اللّه علیهم و انما الحجه منه علیهم هو العقل الّذی هو الرسول الداخلی کما دل علیه الحدیث السابق و الحدیث اللاحق أیضا. ففى اخر الزمان یترقى الاستعدادات من النفوس الى حد لا یحتاجون به الى معلم من خارج على الرسم المعهود بین الناس الآن، بل یکتفون بالالهام الغیبى عن التأدب الوضعى و بالمسدد الداخلی عن المؤدب الخارجى و بالمکمل العقلى عن المعلم الحسى کما لسائر الاولیاء، فملک روحانى هو ید اللّه یجمع عقولهم و یکمل احلامهم.»[2]

تصرّح عبارة ملاصدرا بأنّه بعد ختم النبوّة وفي عصر آخر الزمان، يكون الناس ـ بسبب تكامل عقولهم ـ في غنى عن الحجّة الظاهرية التي هي الإمام المعصوم. كما أنّ ملاصدرا هنا قد وقع في خلط واضح، إذ ربط الرواية المتقدّمة، وهي ناظرةٌ إلى عصر ما بعد ظهور الحجّة (سلام الله علیه)، بمرحلة ما بعد ختم النبوّة وآخر الزمان الذي يسبق الظهور. وبطبيعة الحال، لو قال قائل إنّ كلام صدر المتألهين ناظرٌ إلى ما بعد الظهور، أي إلى زمن كمال العقول، فإنّ هذا القول أيضاً قولٌ باطل؛ إذ لا يصحّ أن نقول إنّ الناس، حتى مع كمال عقولهم، يستغنون عن الحجّة والإمام المعصوم.

إنّ هذه العبارات الصادرة عن ملاصدرا تقع في تعارض كامل مع عشرات الآيات والروايات ومع المسلّمات العقائدية عند الشیعة؛ بل في نفس الكتاب الذي قام بشرحه ـ أي أصول الكافي ـ يوجد بابٌ بعنوان «الحجّة»، وقد أكّد فيه أهل البيت عليهم السلام حاجة جميع البشر، في كل الأزمنة وتحت كل الظروف، إلى الحجّة المعصوم الذي نصبه الله تعالى. وقد ورد عنهم عليهم السلام: لو لم يبقَ في هذا العالم إلا اثنان، لجعل الله أحدهما حجّةً معصوما على الآخر، لئلّا يقول ذلك الشخص: «يا ربّ، لماذا تركتني بلا حجّةٍ وهداية معصومٍ؟» ولئلّا يستطيع أن يبرّر ضلاله بفقدان الحجّة. فكيف يمكن لصدر المتألّهين أن يقع في مثل هذا الخطأ الواضح؟

وبحسب مباني الشیعة وتعاليم أهل البيت عليهم السلام، فإنّ ختم النبوّة لا يعني استغناء البشر عن الوحي والسماویة والقائد المعصوم، ولا يعني أنّ عقول الناس في عصر الخاتمية وآخر الزمان قد بلغت حدّاً يغنيهم عن الهداية الإلهية؛ بل معناه انتهاء الوحي التشريعي، وأنّه لن تأتي شريعة جديدة بواسطة نبي أو رسول آخر. أمّا أصل الإمامة والولاية والوصاية لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، فهو استمرارٌ للاتصال بالسماء، وتلقّي الحجج المعصومين للهداية الإلهية بواسطة روح القدس.

ولا شكّ أنّ ملاصدرا كان معتقداً بالنبوّة والإمامة، وقد أشار في تلک الصفحات التي طرح فيها هذا البحث، إلى موضوع المهدوية والامام الحجّة ابن الحسن علیهما السلام، وصرّح بذلك؛ إلّا أنّ هذا التحليل الذي قدّمه بشأن ختم النبوّة وآخر الزمان لا ريب في خطئه، كما أنّ كلامه ـ وكلام ابن سينا والسيّد الطباطبائي ـ  عن الموازاة بين «الفلسفة والنبوّة» و«الفلاسفة والأنبياء» هو أيضاً كلامٌ خاطئ. لكن مع الأسف أنّ ما دفع بعض الفلاسفة المسلمين والشيعة إلى الوقوع في مثل هذه الزلّات الفكرية الفادحة هو الطبيعة العلمانية والذاتية للفلسفة اليونانية، التي رسخت في أذهانهم ودَفَعَتهم إلى مثل هذه المهاوي في التفكير والفلسفة. غفر الله لنا ولهم

تقریر الدكتور دیناني لقول ملاصدرا عن الاستغناء عن الحجّة المعصوم في آخر الزمان

يكتب الدكتور إبراهيمی دیناني، وهو من الفلاسفة المعاصرين، في تقریره لرأي ملاصدرا العجيب بشأن استغناء الناس عن الحجّة المعصوم في آخر الزمان بسبب ترقّي عقولهم، بلغةٍ تميل بوضوح إلى تأييد صدرا، فيقول:

« يكتبُ الدكتورُ إبراهيمي ديناني، وهو من الفلاسفة المعاصرين، بأسلوبٍ ينمّ عن الميل والانحياز في تقريره للرأي العجيب لملاّ صدرا بشأن الاستغناء عن الحجّة المعصومة في آخر الزمان بسبب ترقّي عقول الناس، فيقول:

«إنّ صدرَ المتألّهين، بالاستناد إلى الروايات الصادرة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام، قد توصّل إلى هذه النتيجة، وهي أنّ العقل هو الحجّة الباطنة لله تعالى، وأنّ الأنبياء هم الحجج الظاهرة للحقّ، وأنّ طاعتهم واجبة وضروريّة على الناس. من جهةٍ أخرى، يعلم هذا الفیلسوف بوضوح أنّ سلسلة النبوّة والرسالة قد انقطعت إلى الأبد بعد وفاة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله، ولن يُبعث بعده نبيٌّ أبداً. وبهذا الاعتبار، فبرحيل نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله لا تبقى حجّة ظاهرة بعد ذلك، ولن يكون الناس بحاجة إلى حجّة ظاهرة. وما يبقى للناس على الدوام، ويهديهم إلى طريق السعادة، إنّما هو الحجّة الباطنة. بحسب رأي صدر المتألّهين، فإنّ الناس في آخر الزمان لا يحتاجون إلى معلّمٍ ومرشدٍ خارجي، بل يستبدلون المعلّم الخارجي بالمعلّم الداخلي والمرشد الباطني، ويسيرون في حركتهم نحو المقصد على ضوء هدايته.»[3]

يضيف الدكتور دیناني في شرحه لرأي ملاصدرا بشأن استغناء الإنسان في آخر الزمان عن الحجّة الظاهرية، مقارناً رأي صدرا برأي محمد إقبال لاهوري في مسألة ختم النبوة قائلا:

«إنّ ما أبداه صدرُ المتألّهين في باب أهميّة العقل وكفايته بعد ختم النبوّة والرسالة، قد انعكس ـ بنحوٍ ما ـ في كلمات المفكّر المعروف محمّد إقبال اللاهوري. ويبدو أنّ هذا المفكّر الباكستانيّ كان على اطّلاعٍ ـ إلى حدٍّ ما ـ بكتاب شرح أصول الكافي لصدر المتألّهين. وقد أشار صدرُ المتألّهين في ختام شرحه للحديث الحادي والعشرين إلى نكتةٍ تُظهر أنّ مراده من العقل الذي تحدّث عنه ليس هو العقل المتعلّق بالصناعة والتقنية. إذ يقول: إنّ نفوس الناس في عصر آخر الزمان تبلغ مرتبةً من السموّ والتكامل بحيث لا تحتاج إلى معلّمٍ من خارج ذواتها، بل تصل إلى المقصود عن طريق الإلهام العينيّ والهداية الباطنيّة. ومن هذا الكلام يمكن استظهار أنّ هذا الفيلسوف الإلهيّ كان شديد الإيمان بنموّ الإنسان وتكامله المعنويّ، وكان يرى أنّ الإنسان يبلغ في آخر الزمان ذروة كماله المعنويّ.» [4]

ومن الجدير بالذکر أنّ كلام إقبال اللاهوريّ في باب استغناء البشر في آخر الزمان عن النبوّة قد تعرّض لنقد الشهيد مطهّري، حيث اعتبر أنّ مقتضی هذا الرأي هو الإعلان عن ختم الديانة. [5]


[1] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، طهران، ١٤٠٧هـ، الطبعة الرابعة، ج ١، ص ٢٥.

[2] الملا صدرا، شرح أصول الكافي، مؤسسة الدراسات والأبحاث الثقافية، طهران، ١٣٨٣هـ.ش، الطبعة الأولى، ج ١، ص ٥٦٦.

[3] غلام حسين إبراهيمي ديناني، قضیّة الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي، طرح نو، طهران، ١٣٧٩هـ.ش، الطبعة الثانية، ج ٢، ص ٣٤٣

[4] غلام حسين إبراهيمي ديناني، قضیّة الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي، طرح نو، طهران، ١٣٧٩هـ.ش، الطبعة الثانية، ج ٣، ص ٣٢٢

[5] مرتضى مطهري، الوحي والنبوة، منشورات صدرا، ١٣٨٤هـ.ش، الطبعة الحادية والعشرون، ص ١٨٩

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button