عبد القادر الجيلاني والشيعة – موقف مؤسّس القادرية من الشيعة
كان عبد القادر الجيلاني من كبار الصوفيّة في القرن الخامس والسادس الهجريّين. ويُذكر بوصفه رأس السلسلة ومؤسّس الطريقة القادرية، وهي إحدى أكبر الفرق والطُرُق الصوفيّة.
التشيّع، فرقة ومذهب ضالّ
لقد اشتهر عبد القادر الجيلاني بمواقفه النقديّة تجاه التشيّع والشيعة الإماميّة، حيث وضعهم إلى جانب «المرجئة» و«القدريّة»، وعدّهم من المذاهب المنحرفة[1]. ففي الصفحة 184 من الجزء الأوّل من كتاب الغُنيَة أشار إلى الحديث المشهور عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله القائل بظهور ثلاث وسبعين فرقة في الإسلام، وأنّ الناجية منها واحدة فقط. ثمّ عيَّن أهل السنّة بوصفهم الفرقة المهتدية، وعدّ سائر المذاهب الإسلاميّة ، ومن جملتها التشيّع، من الفرق الضالّة، وكتب قائلاً:
« فأصل ثلاث و سبعین فرقه عشرة: اهل السنه ،والخوارج، الشیعه، والمعتزله، والمرجئه، والمشبهه، والجهمیه، والضراریه، والنجاریه، والکلابیه… اما فرقه الناجیه فهی اهل السنه و الجماعه.»[2]
تشبيه الشيعة باليهود
ثمّ ذكر عبد القادر الجيلاني الفرق المختلفة للشيعة، وعرّف هذه الفرق، ولمّا وصل إلى الإماميّة ،یشبّه عقائد المذاهب المختلفة للشيعيّة باليهود من خلال توجیه اتّهامات باطلة![3]
اتّهام تحريف القرآن
ادّعى عبد القادر أنّ الشيعة قد حرّفوا القرآن! في حين أنّ ما أورده عبد القادر بشأن تحريف القرآن كلّه موجود في المصادر الأصيلة لأهل السنّة أنفسهم. فقد كانت عائشة من أوائل من اعتقد بنقصان آيات القرآن.[4] كما نُقل كثير من الروايات الدالّة على التحريف بنقصان آيات القرآن الكريم عن عمر وغيره ، إلی أن قال الآلوسي باعتقاد تواتر روايات التحريف في كتب أهل السنّة: «والروايات في هذا الباب أكثر من أن تُحصى.»[5]
وللمطالعة التفصيليّة في هذا الموضوع أنظر: بحوث موقع «مركز وليّ العصر عجّل الله تعالى فرجه» في الروابط التالية: تحريف القرآن ـ تحريف القرآن وارتداد الصحابة عند أهل السنّة
کان عبدالقادر متبحرا فی الفقه والحدیث عند اهل السنة ، وتنسب إلیه العدید من المؤلّفات في أصول الفقه وفروعه، ومع ذلك فإن إتّهامه الشیعة بتحریف القرآن، مع علمه بما ذکر، لا يدلّ إلّا على شدّة تعصّبه وحقده ولجاجته في مواجهة الحقّ والحقيقة.
اتّهام خيانة جبرائيل في الوحي! ونبوّة أمير المؤمنين عليه السلام!
یدّعي عبد القادر الجيلاني أنّ الشيعة يعتقدون بخیانة جبرائيل في تبليغ الرسالة، فيكتب:« بعض الروافض يتبرّأون من جبرائيل عليه السلام [!] ويقولون: إنّ جبرائيل أخطأ في الوحي إلى محمّد صلّى الله عليه وآله، مع أنّه كان مأموراً بالوحي إلى عليّ عليه السلام [!] كذبوا، عليهم لعنة الله الأبديّة» [6] [!]
ولا يخفى بطلان هذا القول، فإنّ كذبه أوضح من الشمس، وإنّما هو فضيحة أخرى لمشايخ الصوفيّة من أهل السنّة. ولعلّ السبب في شدّة إعجاب ابن تيمية بعبد القادر الجيلاني إنّما هو ما كتبه من هذه الافتراءات.
إعجاب ابن تيمية بعبد القادر الجيلاني
يصف ابن تيمية في کتابه «مجموع الفتاوى» شخصيّة عبد القادر الجيلاني ومقامه بقوله:«كان من أفضل مشايخ زمانه في التزام الشريعة، ومن أعلاهم منزلة في أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان ذا نشاط روحي ومعنوي، وقوّة جسديّة، ومن أعظم المشايخ في مجال مخالفة الهوى وضبط الإرادة[7]
وقد نقل ابن تيمية عنه في كتابه مراراً ، واستند إليه، وذكره بکل تعظيم.[8]
فإذا ذُكِر عبد القادر الجيلاني، عَدَّه ابن تيمية من أئمّة الدين وأولياء الله[9]. و فی موضع آخر، و استنادا إلی ما ورد عن عبدالقادر، یسمیه هکذا:« وقال الشيخ العارف أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الكيلاني في كتابه [الغنية]: أمّا معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو أن يعرف ويتيقّن أنّ الله واحد واحد.»[10]
كما ألّف ابن تيمية شرحاً على كتاب «شرح فتوح الغيب» لعبد القادر الجيلاني!
ومن المحتمل أنّ ابن تيمية أخذ هذه الأحقاد والافتراءات من عبد القادر نفسه، فأعاد ترديده ضدّ الشيعة. إذ يقول:« إنّ اليهود قصدوا الطعن في جبرائيل وعدّوه من أعدائهم من بين الملائكة، كما تقول الرافضة: إنّ جبرائيل أخطأ، فأنزل الوحي على محمّد بدلاً من عليّ.[11]
اتّهام التشبيه والتجسيم إلى الشيعة
ذكر الجيلاني في فصلٍ يتناول فيه فرق المشبّهة وعقائدهم، أنّ التشيّع متّهم بالتشبيه والتجسيم لله تعالى، وعدَّ الشيعة والكراميّة من أبرز الفرق التي غلب عليها هذا الاعتقاد؛ فقال:« والذي اتّفقت عليه الفرق الثلاث أنّ الله تعالى جسم، وأنّه لا يجوز أن يُعقل الموجود إلّا جسماً، والذي غلب عليهم التشبيه فرقُ الروافض والكرامية.»[12]
أمّا أنّ الشيعة لا يعتقدون بذلك أبداً، بل صرّح علماء الإماميّة في كتبهم بردّ التجسيم والتشبيه. کما أن للشيخ الكليني في الكافي فصلا بعنوان: «باب النهي عن الجسم والصورة»[13]، وخصّص الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد باباً بعنوان: «إنّه عزّ وجلّ ليس بجسم ولا صورة»[14]. و ألّف أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد فصلاً بعنوان: «فصل من الاستدلال على أنّ الله تعالى ليس بجسم»[15]. وعدّ قطب الراوندي مذهب المجسّمة من المذاهب الفاسدة[16]. ومن المعاصرين، صرّح السيّد الخوئي في كتاب« الطهارة» بطلان عقيدة التجسيم[17]
اتّهام عدم مراعاة العدّة عند النساء
اتّهم الجيلاني الشيعة بعدم مراعاة العدّة في النساء![18] مع أنّ وجوب العدّة، من بديهيّات الأحكام عند الإماميّة.[19]
الشيعة يستحلّون دماء المسلمين!
زعم عبد القادر أنّ الشيعة يستحلّون دماء المسلمين، وكتب قائلاً:« واليهود تستحلّ دم المسلم، وكذلك الروافض.»[20]
وهذا الافتراء كذبه واضح، إذ إنّ الجميع اليوم يعلمون أنّ الجماعات التي استحلّت دماء المسلمين والشيعة، إنّما هم الدواعش والسلفيّة والوهابيّة الخبيثة، وكلّهم من أهل السنّة. وأهل السنّة أنفسهم يشاهدون و یعلمون أنّ الشيعة لا يستحلّون دماء الکفار ولا أموالهم، فکیف یتصرّفون فی دماء المسلمين و اموالهم؟! بل إنّ قتل النفس في مذهب الشيعة من الكبائر العظمى.
عدم جواز اتّباع مشايخ الشيعة
كان عبد القادر يحذّر السالكين من اتّباع مشايخ الشيعة، بسبب اعتقاد الشيعة بتفضيل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام على الخلفاء الثلاث قائلاً:« لا يجوز اتّباع مشايخ الرافضیین الذين يفضّلون عليّاً على الخلفاء.» [21]
تخطئة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام / العزاء على أبي بكر أولى!
بعد أن ذکر عبد القادر المسألة التي طرحها الشيعة بشأن صوم يوم عاشوراء واتّخاذه عيداً وفرحاً عند أهل السنّة، ادّعى أنّ مذهب التشيّع قبيح، وأنّ القائل بها مخطئ، وصرّح بأنّ يوم وفاة أبي بكر أَوْلى بالعزاء من يوم عاشوراء، فقال:« قوم (أي الشيعة) طعنوا في صوم يوم عاشوراء وتعظيمه، وظنّوا أنّه بسبب مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه في هذا اليوم لا يجوز الصوم فيه، وقالوا: ينبغي أن يُتّخذ هذا اليوم يوم عزاء لمصيبته فی كلّ عام ، وعيَّروا أهل السنّة بجعلهم هذا اليوم يوم فرح وسرور… فمن قال بهذا فقد أخطأ، ومذهبه قبيح، لأنّ الله تعالى أراد بشهادة سبط النبيّ صلوات الله عليه [وآله] في هذا اليوم المبارك أن يرفع مقامه، ويُلحِقه بمقام الخلفاء الراشدين… ولو كان ينبغي أن يُتّخذ يوم الوفاة يوم مأتم لكان يوم الاثنين أولى بذلك، لأنّه اليوم الذي قبض الله فيه نبيَّه محمّداً وكذلك أبا بكر… فليس يوم عاشوراء يوم مصيبة، بل الفرح والسرور فيه أولى من الحزن والعزاء.»[22]
انتقاد الشيعة في باب: الإمامة / الجهاد / خلفاء أهل السنّة / خلفاء بني أميّة وبني العبّاس
وجّه عبد القادر النقد الی العديد من أفكار الشيعة ومعتقداتهم، ومن ذلك: حصر الإمامة في أولاد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، عدم مشروعيّة الخلفاء الثلاثة عند أهل السنّة، اشتراط الجهاد بظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه، وتحديد وقت صلاة المغرب.[23]
وعلى رأي الجيلاني، فإنّ خلافة خلفاء بني أميّة وبني العبّاس ورئاستهم مشروعة أيضاً.[24]
بعض ردود الأفعال تجاه عبد القادر الجيلاني
إلّا أنّ معارضة عبد القادر وأتباعه للتشيّع قد أثارت ردود فعل من الجانب الآخر أيضاً. فعلى سبيل المثال، عندما استولى الشاه إسماعيل على بغداد، قام بهدم مكتبة عبد القادر ومدرسته، وشرّد القادريّة. ثمّ لمّا استولى السلطان سليمان العثماني على بغداد، أعاد إحياء مكتبة عبد القادر. ولكن عندما أخرج الشاه عبّاس العثمانيّين من بغداد، أمر بهدم ضريح عبد القادر الجيلاني ومكتبته ، ونفى الصوفيّة القادريّة[25].
[1] الغنية لطالبي طريق الحق، عبدالقادر جیلانی، محقق: صلاح بن محمد بن عویضه، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1428ق(2007م)، ج1، ص184؛ البحث في التصوف الإيراني، عبد الحسين زرينكوب، طهران، أمیركبير، 1363هـ.ش، ص 357
[2] الغنية لطالبي طريق الحق، عبدالقادر جیلانی، محقق: صلاح بن محمد بن عویضه، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1428ق(2007م)، ج1، ص184
[3] الغنية لطالبي طريق الحق، نفس المصدر
[4] عنْ عَائِشَةَ قَالَتْلَقَدْ نَزَلَتْ آیَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْکَبِیرِ عَشْرًا وَلَقَدْ کَانَ فِی صَحِیفَةٍ تَحْتَ سَرِیرِی فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَکَلَهَا!! (سنن ابن ماجه ج6ص72)
[5] روح المعانی، ج1، ص24
[6] الغنية لطالبي طريق الحق، نفس المصدر: « وكذلك صنف من الروافض يقولون : غَلِطَ جبريل عليه السلام بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما بُعِثَ إلى عليّ رضي الله عنه ، كذبوا تباً لهم إلى آخر الدهر»
[7] مجموعة الفتاوی، ابن تیمیه، احمد بن عبدالحلیم، شرح جندی، فرید عبدالعزیز و شرقاوی، اشرف جلال، دار الحدیث، قاهره، 1427ق، ج8، ص684
[8]مجموعة الفتاوی، ابن تیمیه، احمد بن عبدالحلیم، شرح جندی، فرید عبدالعزیز و شرقاوی، اشرف جلال، دار الحدیث، قاهره، 1427ق، ج27، ص70؛ ج27، ص78؛ ج2، ص702؛ ج2، ص712؛ ج11، ص325؛ ج10، ص485؛ ج10، ص293؛ ج3، ص144؛ ج8، ص785؛ ج8، ص666؛ ج8، ص646؛ ج10، ص499 و…
[9] مجموعة الفتاوی، ابن تیمیه، احمد بن عبدالحلیم، شرح جندی، فرید عبدالعزیز و شرقاوی، اشرف جلال، دار الحدیث، قاهره، 1427ق، ج2، ص712
[10] مجموعة الفتاوی، ابن تیمیه، احمد بن عبدالحلیم، شرح جندی، فرید عبدالعزیز و شرقاوی، اشرف جلال، دار الحدیث، قاهره، 1427ق، ج3، ص167
[11] ابن تیمیه، احمد بن عبدالحلیم، منهاج السنة النبویه، ج۱ ص۸۶
[12] الغنية لطالبي طريق الحق، عبدالقادر جیلانی، محقق: صلاح بن محمد بن عویضه، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1428ق(2007م)، ج1، ص190
[13] الکافی، شیخ کلینی، تهران، اسلامیه، ۱۳۶۲ش، الطبعة الثانیة، ج۱، ص۲۵۵
[14] التوحید للصدوق، شیخ صدوق، قم، جامعه مدرسین، ۱۳۹۸ق، الطبعة الأولی، ص۹۷
[15] کنز الفوائد، ابوالفتح کراجکی، قم، دارالذخائر، ۱۴۱۰ق، الطبعة الأولی، ج۱، ص۱۹۷
[16] فقه القرآن، قطب الدین راوندی، قم، مکتبه آیه الله العظمی النجفی المرعشی، ۱۴۰۵ق، الطبعة الثانیة، ج۱، ص۹۷
[17] التنقیح فی شرح العروة الوثقی، خویی، علی غروی تبریزی، قم، دارالهادی، ۱۴۱۰ق، الطبعة الثالثة، ج۲، ص۷۷
[18] الغنية لطالبي طريق الحق، نفس المصدر
[19] أنظر: توضیح المسائل و الفتاوی لجمیع مراجع التقلید للشیعه
[20] الغنية لطالبي طريق الحق، نفس المصدر
[21] سلاسل الصوفية في إيران، نور الدين مدرّسي چهاردهي، دار النور، طهران، الطبعة الثانية، 1365هـ.ش، صص 10 و 12
[22] الغنية لطالبي طريق الحق، عبدالقادر جیلانی، محقق: صلاح بن محمد بن عویضه، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1428ق(2007م)، ج۲، ص۹۳
[23] دراسة مقارنة لسياسة الدولة الإيرانية والدولة العثمانية تجاه الطريقة القادرية، صباح قنبري، دراسات تاريخ الإسلام، السنة الثامنة، العدد 30، خريف 1395هـ.ش، ص 169؛ الغنية لطالبي طريق الحق، عبد القادر الجيلاني، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1428هـ (2007م)، ج1، ص 184
[24] دراسة مقارنة لسياسة الدولة الإيرانية والدولة العثمانية تجاه الطريقة القادرية، صباح قنبري، دراسات تاريخ الإسلام، السنة الثامنة، العدد 30، خريف 1395هـ.ش، ص 169
[25] الشيخ عبد القادر الجيلاني، علي محمد الصلابي، ترجمة: دارا رشيد، سليماني، مكتبة سـارا، الطبعة الأولى، 2010م، ص 186-187.