أشعار جلال الدین الرومی عن السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها
موقف الرومی عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام
يُعَدّ الرومی من الشخصيات البارزة في تاريخ التصوف، وهو محل احترام وتقدير لدى كثير من الطرق الصوفية في العالم اليوم. وكان شيوخ التصوف حتى حدود القرن الثامن جميعهم على مذهب أهل السنة. ومع أنّ الصوفيين يؤكدون على نبذ التعصّب المذهبي ويدّعون السلام والتعايش مع جميع المذاهب، إلا أنّ كثيراً من أقوالهم وآثارهم تكشف عن تعصّب لمذهبهم وأفكارهم. يظهر هذا التعصّب أحياناً على شكل إهانة الآخرين و التقلیل من شأنهم؛ بل حتى من طرق صوفية أخرى، وأحياناً أخرى على شكل كتمان الحقائق. والرومی، كما يظهر من آثاره، لم يكن مستثنىً من هذه القاعدة؛ ففي مؤلفاته نرى من جهة طعناً وتعريضاً بالشيعة، ومن جهة أخرى إخفاءً لفضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام.
اقرأ أيضاً: إهانات الرومی العجيبة تجاه الشيعة
ومن جانب آخر، فإن مقام سيّدة نساء العالمين وبضعة الرسول صلى الله عليه وآله، فاطمة الزهراء سلام الله عليها، مقام رفيع وعظيم إلى درجة أنّ كبار علماء أهل السنة اضطروا إلى نقل روايات في فضائلها في كتبهم. ومع ذلك، وبعد البحث والتحقيق في أشعار الرومی، لم نعثر على أي أثر يذكر فيه فضائلها ومناقبها، بل حتى لم نجد عنده رواية عادية عن السيدة الزهراء سلام الله عليها.
أشعار الرومی عن عائشة
وعلى العكس، فإنّ عائشة هي التي حظيت بالاهتمام والعناية عنده، إلى حدّ أنّ فضائل السيدة فاطمة عليها السلام قد حُرِّفت ونُسبت إلى عائشة.
الرومی واختلاق قصة حجاب عائشة من رجل أعمى
ورد في الروايات المعتبرة أنّ السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ـ لشدّة حيائها وعفّتها ـ كانت تلتزم بالحجاب حتى أمام رجل أعمى. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله هذا الموقف قال لها: “أشهد أنّك بضعة مني”.[1]
لكن نَسَبَ الرومی هذا الفضل والشرف إلى عائشة، حيث يقول:
« لَمَّا دَخَلَ الضَّرِيرُ مُسْرِعًا مِنْ بَابِهِ * عَائِشَةُ هَرَبَتْ لِتَتَحَجَّبَ/ فَأَشَارَتْ عَائِشَةُ بِكَفَّيْهَا قَائِلَةً * إِنَّهُ لَا يَرَانِي، لَكِنِّي أَرَاهُ»
« چون درآمد آن ضریر از در شتاب/عائشه بگریخت بهر احتجاب
کرد اشارت عایشه با دستها/او نبیند لیک من بینم و را» [2]
مع أن هذه القصة لم تُذكر في أي مصدر أو مرجع، لا شيعي ولا سني، منسوبةً إلى عائشة، بل إن الروايات المعتبرة عند أهل السنة، المنقولة في كتبهم الصحيحة (الصحاح الستة) ـ تثبت أن عائشة كان لها اختلاط كثير مع الأجانب، وفي بعض الأحيان لم تكن تلتزم بالحجاب. ومن ذلك على سبيل المثال قصة تعليمها الوضوء لـ سالم سبلان؛ حيث إن مسح الرأس والأذنين وغَسل اليدين يستلزم كشفهما.
يقول سالم: “أرَتني عائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ… غسلت وجهها ثلاث مرات، ثم يدها اليمنى ثلاث مرات، ثم يدها اليسرى ثلاث مرات، ثم وضعت يدها على رأسها فمسحته كله، ومسحت أذنيها، ثم مرّت بيديها على خَدّيها. ويضيف سالم: عندما كنت عبداً مكاتَباً، كنت أدخل عليها، ولم تكن تحتجب مني، بل كانت تجلس أمامي وتحادثني…[3]”
عائشة، أنیسة النبي صلى الله عليه وآله و رفیقته
قام الرومی في کتابه«المثنوي» باستعمال رواية موضوعة، فوضع عائشة في مقام المؤنسة والرفيقة والمطمئنة لقلب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:جاء المصطفی یبغی مؤنسا*** کلّمینی یا حمیراء کلّمی
« مصطفی آمد که سازد هم دَمی / كلميني يا حُميراء كلمي»[4]
يقول الأستاذ بديع الزمان فروزانفر في شرحه لهذه الأبيات: إن مراد مولوي ومقصوده هو أنّ النبيّ ﷺ، مع كلّ ما كان عليه من الاستغراق في عشق الحقّ والتفرّد والتجرّد، كان يقول: «كلّميني يا حُميراء»، ويستريح قلبه وتطمئنّ نفسه من كلام عائشة.[5]
غير أنّه قد ورد في أصحّ الكتب عند أهل السنّة، وهو صحيح البخاري، أنّ عائشة وحفصة كانتا تؤذيان رسول الله ﷺ إلى حدٍّ أن نزلت آية لتوبيخهما[6]
إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو رحمةٌ للعالمين، قد تأذّى كثيراً من عائشة، وقد أدركت هي بنفسها هذا الأمر. وفي الصحاح الستّة عند أهل السنّة، توجد أحاديث كثيرة بمضامينٍ مثل: غيرة عائشة، وقاحتها، تتبّعها للنبي صلى الله عليه وآله، كذبها، وشدّة سوء ظنّها به… وهي تدلّ بوضوح على ما تحمّله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من المحنة والآلام بسبب عائشة.[7]
وفي المقابل، فقد وردت أحاديث كثيرة تدلّ على أُنس رسول الله صلى الله عليه وآله بأهل بيته عليهم السلام، وإكرامه وتعظيمه لهم. فعلى سبيل المثال، كانت عائشة نفسها تقول: “كلما رجع رسول الله من سفرٍ کان یقبّل فاطمة و یقول: إني لأشمّ منها رائحة الجنة.[8]
وبحسب الأحاديث المعتبرة عند أهل السنة، فإن أحبّ النساء إلى النبي صلى الله عليه وآله كانت السيدة فاطمة عليها السلام، وأحبّ الرجال إليه أمير المؤمنين علي عليه السلام.[9] کما كانت عادة رسول الله صلى الله عليه وآله أنه إذا رجع من غزوة أو سفر ، کان یدخل المسجد فیصلّى ركعتين، ثم یتوجّه إلى بيت فاطمة فیلقى عليها السلام، وبعدها كان يذهب إلى بيوت زوجاته. كما روى بسنده عن ابن عمران أنه قال: “كان النبي إذا أراد سفراً كان آخر من يودّعه فاطمة، وإذا رجع من سفر فكان أوّل من يلقاه فاطمة.»[10]
والرومی، باعتباره من فقهاء أهل السنة، كان بلا شك مطّلعاً على هذه الروايات، لكنه مع ذلك عمد إلى التزوير والتحريف، فطمس فضائل أهل البيت عليهم السلام، وخاصة السيدة الزهراء سلام الله عليها، ونسبها إلى عائشة وأمثالها.
مصادرة لقب السيدة الزهراء سلام الله عليها لصالح عائشة
لم يقتصر الرومی على ذلك، بل في موضع آخر من أشعاره وصف عائشة بـ “الصِدِّيقة”، وهو أحد الألقاب الرفيعة الخاصة بالسيدة الزهراء سلام الله عليها [11]،[12]
مع أن عائشة نفسها قد اعترفت قائلة: “ما رأيت أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصدق من فاطمة”، وقد ورد هذا الحديث في المصادر المعتبرة عند أهل السنة.[13]
كما أنه یبدأ بعض ابیاته بعنوان سؤال عائشة للنبی المصطفی صلى الله عليه وآله، و في سياق حكايته يصفها بـ «الصِدِّيقة»، فيقول:« قالت الصِّدِّيقةُ: يا صفوةَ الكَوْنِ العَلـي ما سرُّ هذي السحائبِ الهَطّالةِ اليومَ عليّ؟ أهوَ غيثٌ من رحيمٍ يَغمرُ الدنيا نَدىً؟ أم هوَ الإنذارُ والعَدلُ منَ المَلِكِ السَّنيّ؟»
گفت صدیقه که ای زبدهٔ وجود حکمت باران امروزین چه بود؟/ این از بارانهای رحمت بود یا بهر تهدید است و عدل کبریا؟[14]
يكتب الأستاذ بديع الزمان فروزانفر في شرحه على المثنوي في هذا السياق قائلاً: إنّ عائشة – حسب ما ورد في المثنوي – سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن حكمة نزول المطر في اليوم الذي تُوفي فيه أحد الصحابة، فأجابها النبي صلى الله عليه وآله بأن نزول هذا المطر هو فيض إلهي لتسكين ما يعرض للقلوب من الحزن بسبب موت الأصحاب والأقارب وسائر المصائب.[15]
ومرة أخرى لا بد من التأكيد على أن الرومی – وهو فقيه سني المذهب – كان قد اطّلع على أمثال هذه الروايات، ولذلك كان يعلم أنّ لقب «الصدِّيقة» لا يليق إلا بشخصية السيدة الزهراء سلام الله عليها. غير أنّه، وبسبب تعصبه لمذهبه، كتم فضائلها ونسبها إلى عائشة.
وهنا يُطرح السؤال: كيف يمكن للرومی، مع ادعاءاته العظيمة في الوصول إلى الحق والسلوك في مراتب العرفان العليا، أن يمتنع – بل ويعرض – عن نقل فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام وأعظم أولياء الله؟ بينما نراه في كل موضع من المثنوي يذكر فضائل موضوعة لأبي بكر وعمر وعثمان، بل ولم يتردد حتى في اختلاق الفضائل لمعاوية!
شمس التبريزي والسيدة الزهراء سلام الله عليها
إنّ الشيخ والمرشد للرومی، وهو شمس التبريزي، لم يقتصر على الامتناع عن نقل فضائل سيّدة نساء العالمين، بل تجاوز ذلك إلى أن انتقص من مقامها السامي والرفيع، وخفّض من شأن سيّدة نساء العالم، بل وأصرّ على جرأته هذه.
[1] استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لها: لِمَ حجبتيه وهو لا يراك؟ فقالت (ع): إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشمّ الريح. فقال رسول الله (ص): أشهد أنّك بضعة مني. (بحار الأنوار، ج ۴۳، ص ۹۱؛ رياض الرياحين للشيخ ذبيح الله المحلاتي، ط. إسلامية طهران، ج ۱، ص ۲۱۶؛ منتهى الآمال، ص ۱۶۱-۱۶۲ منقول من نفس المصدر،ص ۲۶
[2] المثنوى المعنوى، جلال الدین محمد بلخى (مولوى)، منظمة الطباعة و النشر بوزارة الثقافة و الارشاد الاسلامیة، طهران، 1373، ص 843
[3] صحیح البخاری، محمد بن إسماعیل البخاری، دار طوق النجاة، 1422هـ، ج 3، ص 225، كتاب الشهادات، باب شهادة الأعمى و…
[4] المثنوى المعنوى، جلال الدین محمد بلخى (مولوى)، نفس المصدر، ص 81
[5] شرح المثنوى الشریف، بدیع الزمان فروزانفر، دار النشر زوار، طهران، 1367، ج 3، ص 928
[6] صحیح البخاری، محمد بن إسماعیل البخاری، دار طوق النجاة، 1422هـ، ج 3، ص 133، باب إماطة الأذى، حدیث رقم 2468
[7] قالت عائشه: «وارأساه!» فقال رسول اللّه صلی الله علیه و سلم: «ذاك لو كان وأنا حيّ فاستغفر لك وأدعو لك.» فقالت عائشه: «واثكلياه! والله إنى لاظنك تحب موتى ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرّسا ببعض أزواجك.» (صحيح البخاری، ج 9، ص 100، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف)
[8] بحار الأنوار، ج 43، ص 6
[9] كان أحب النساء إلى رسول الله فاطمه، ومن الرجال علي (سنن الترمذی أحادیث رقم 3803–3809 // المستدرك للحاکم، ج 3، ص 157 // أسد الغابة، ج 7، ص 223 // البداية و النهاية، ج 7، ص 254)
[10] سیره المعصومین، فاطمه بنت النبي، سید محسن أمین، ترجمة علی حجتی کرمانی، ج 2، ص 19؛ أربلی، علی بن عیسی، كشف الغمة فی معرفة الأئمة، محقق، مصحح، رسولی محلاتی، سید هاشم، ج 1، ص 451، نشر بنیهاشمی، تبریز، الطباعة الاولی، 1381ق
[11] عن الإمام الرضا (عليه السلام) روى أنه قال: فاطمه الزهراء (سلام الله علیها) امرأة «صادقة جداً» وكانت شهیده فی هذه الدنيا. (مرآة العقول، ج 5، ص 315)
[12] بالطبع من جلال الدین الرومی الذي كان سنيًا، لا يُتوقع غير ذلك؛ عندما یُسَمِّي والد عائشه، أبی بكر، صدیقًا؛ یُلقب عائشه بالصديقة أيضًا.
[13] ما رأیت أحدًا أصَدق من فاطمه (سلام الله علیها) غیر أبِیها. (الحاکم النیشابوری، أحمد، المستدرک، ج 3، ص 174)
[14] المثنوى المعنوى، جلال الدین محمد بلخى (مولوى)، نفس المصدر، ص 83
[15] شرح المثنوى الشریف، بدیع الزمان فروزانفر، دارالنشر زوار، طهران، 1367، ج 3، ص 843