مقالات

عبارات ملا صدرا في رثاء الفلاسفة عبارات غریبة تشبه الزیارات، على شاكلة زيارة الجامعة الكبيرة.

إنّ غالب المعلومات التي يمتلكها دارسو الفلسفة عن سقراط وأفلاطون وأرسطو وسائر فلاسفة اليونان، قد وصلت عبر الفارابي وابن سينا وأمثالهما، وهؤلاء بدورهم اعتمدوا أحياناً على التراجم لكتب اليونانيين عبر عدة وسائط، تلك التراجم التي أنجزها جهاز الخلافة الأموية والعباسية، وهي في الأصل غير موثوقة. ومن هنا جرى تصوير اليونانيين كشخصياتٍ شبه إلهية، بينما يكشف الرجوع إلى كتبهم أنّ هؤلاء المذكورين كانوا وثنيين يعبدون آلهةً كثيرة، وينكرون المعاد ونبوّة الأنبياء، كما أنّهم كانوا يعانون من مشكلاتٍ ملحوظة على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والأسري والثقافي.

وقد كان أرسطو، اقتداءً بأفلاطون وأساتذته، وثنياً يقدّس آلهة اليونان.

أما أفلاطون فكان يدعو إلى ترويج الزنا وشرب الخمر والمثلية الجنسية [1]، ويؤمن بعبادة آلهة الشهوة المقيمين في جبل الأولمب [2]. كما كان يرى أنّ النساء مباحٌ لعموم الرجال [3]، ويعتقد بالتناسخ بعد الموت [4].

إنّ أفلاطون يقبل آلهة جبل الأولمب على ما فيها من نقائص وضعف، ويقول: «إلا أن نكون مجانين حتى لا نمدّ أيدينا بالدعاء إلى جميع الآلهة.» [5]

ولمّا قيل لسقراط: لِمَ لا تهاجر إلى موسى عليه السلام؟ أجاب:«لقد هذّبنا أنفسنا، ولسنا بحاجةٍ إلى من يزكّينا».[۶]

وقد رُوي عن أفلاطون أيضاً أنّه لمّا دُعي إلى تصديق شريعة عيسى بن مريم عليه السلام، أجاب قائلاً:«عيسى نبيٌّ للعقول الضعيفة، أمّا أمثالي فليسوا بحاجةٍ إلى الأنبياء في تحصيل المعرفة [7].

وفي کتاب «الضیافة» (سمبوزیوم)لأفلاطون، عند الحديث عن عشق الجنسین، يُشاد بإيروس إله الحبّ. وفي كتاب «القوانين» يُذكر تمجيد ديونيسوس إله الخمر والسُكر. وإذا جاء الحديث عن الحرب، ذُكر إله الحرب. إنّ الدعاء وتمجيد الآلهة ظاهرٌ في جميع مؤلفات أفلاطون وأرسطو، حتى إنّ سقراط نفسه كان يعدّ ذاته رسولاً لأبولو أحد آلهة اليونان. ويقول وِل ديورانت عن أكاديمية أفلاطون: «إنّ الأكاديمية كانت جمعية أخوّة دينية، وضعت نفسها في خدمة عبادة الآلهة.

كان أفلاطون يعتقد بمبدأ الاشتراك الجنسي، ويرى أنّ جميع النساء ينبغي أن يكنّ ملکا لجميع الرجال [9]، كما يعدّ الخمر سعادةً عظمى و هدیة من ديونيسوس إله السُكر.[10]  وهو يعتقد أنّ البشر بعد الموت يعودون إلى الأصنام [11]. ولم يكن لليونانيين أي إيمانٍ بالتوحيد أو بالنبوة أو بيوم الحساب والمعاد، إذ إنّ أفلاطون يصف البشر بأنهم من أخلاف آلهة الأصنام فی جبل الأولمب، ويعتقد أنّ الأشرار منهم بعد الموت يتجسّدون في صورة حيوانات [12]، أمّا الأخيار فإنّهم يلتحقون بالآلهة [13] ويصبحون آلهةً [14].

و يقول أفلاطون في كتاب القوانين: «إنّ أفضل نظام اجتماعي، وأكمل الحكومات، وأجدر القوانين بالاتباع لا يوجد إلا في المجتمع الذي لا یکون الاموال مشترکة فحسب، بل النساء والأطفال أيضاً، مشتركين بين جميع الناس، حيث تزول الملكية الفردية بكل أشكالها وصفاتها. [15]ويضيف في حديثه عن اشتراك النساء والأطفال: «يجب أن تكون النساء الحارسات مشاعاً بين جميع الرجال الحراس، وألا تعيش إحداهنّ مع رجلٍ واحد فقط. كما ينبغي أن يكون الأطفال أيضاً مشتركين بينهم، فلا يعرف الآباء أبناءهم، ولا يعرف الأبناء آباءهم.

يذكر أفلاطون في كتاب «الضیافة» إله الحبّ، ويقول: إنّ «إيروس، المرتبط بأفروديت، قد وُلد من رجلٍ وحده، ولم تُسهم في تكوينه امرأة، ولهذا فإنّ طبيعته تميل إلى الغلمان. ومن يستلهم منه إنّما يعشق الفتيان، الذين هم – بطبيعتهم – أعقل من النساء وأقوى منهم [17].

و مع كلّ هذا، ومن المثير للعجب أنّ ملا صدرا يعدّ الفلاسفة معصومين من كلّ خطأ وزلل، وكأنّه – على شاكلة الزيارة الجامعة الكبيرة الموجّهة إلى الأئمّة المعصومين عليهم السلام – يخاطبهم بما يوحي بأنّهم أصحاب علومٍ إلهاميّة، مقيمون في قصور الجنة ، بل يرى أنّ وجودهم سببٌ لعمران الجنّة، نعوذ بالله.

فأقول مخاطبا لهم ومواجها لأرواحهم ما أنطق برهانكم يا أهل الحكمه وأوضح بيانكم يا أولياء العلم والمعرفه ما سمعت شيئا منكم إلا مجدتكم و عظمتکم به فلقد وصفتم العالم وصفا عجيبا الهيا، وعلمتم آلاء الله علما شريفا برهانيا، ونظمتم السماء والأرض نظما عقليا، ورتبتم الحقائق ترتيبا إلهاميا حقيقيا. جزاكم الله خير الجزاء الله در قوه عقلیه سرت فيكم وقومتكم وصانت عليكم وعصمتكم من الخطأ والزلل، وأزاحت عنكم الآفه والخلل والأسقام والعلل ما أعلى وأشمخ قلتها وأجل وأشرف علتها! عمر الله بكم دار الآخره والسرور، وبنى لكم درجات الجنه والقصور، وأطال لكم عيش الملكوت الأصفى والبهجه العليا والنور الأسنى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.[ ۱۸]

توجد صور هذا المطلب في كتاب رسالة في الحدوث لملا صدرا

و فی ختامها يذکر حديثٌ نوراني عن الإمام السجاد عليه السلام:

« الصَّدُوقُ فِي كَمَالِ الدِّينِ… عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثَّمَالِيِّ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: إِنَّ دِينَ اللَّهِ لَا يُصَابُ بِالْعُقُولِ النَّاقِصَهِ وَ الْآرَاءِ الْبَاطِلَهِ وَ الْمَقَابِيسِ الْفَاسِدَهِ وَ لَا يُصَابُ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَمَنْ سَلَّمَ لَنَا سَلِمَ وَ مَنِ اهْتَدَى بِنَا هُدِئَ وَ مَنْ دَانَ بِالْقِيَاسِ وَ الرأي هَلَكَ وَ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ شَيْئاً مِمَّا نَقُولُهُ أَوْ نَقْضِي بِهِ حَرَجاً كَفَرَ بِالَّذِي أَنْزَلَ السَّبْعَ الْمَثَانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ».


[1] القوانين / 654

[2] طيمايوس / 14

[3] القوانين / 739

[4] طيمايوس / 91-92

[5] طيمايوس / 27

[6] بحار الأنوار، ج 57، ص 198، نقلاً عن فخر الدين الرازي تفسير جامع الجوامع للطبرسي، ذيل الآية 83 من سورة غافر

[7] البحراني، الحدائق الناضرة، ج 17، ص 126، نقلاً عن السيد نعمة الله الجزائري، الأنوار النعمانية. (وفي هذا النقل ذُكر عيسى عليه السلام بدل موسى عليه السلام على القاعدة، لأنّ أفلاطون كان يعيش قبل الميلاد بخمسمائة سنة.).

[8]تاریخ تمدن ـ رنسانس/ ص 572

[9] القوانين، ش 739

[10] القوانين، ش 646

[11] طيمايوس / 41

[12] طيمايوس / 92

[13] طيمايوس / 41

[14] الجمهورية / 469

[15] القوانين / 739

[16] الجمهورية / 457

[17] الضیافة / 181

[18] رسالة في الحدوث، لملا صدرا، ص 242 – 243

[19] الكافي، ج 1، ص 56 ؛ كمال الدين، ج 1، ص 324 ؛ مستدرك الوسائل، ج 17، ص 262

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button