مقالات

تساؤلات عن الملا صدرا

اولا : يقول الملا صدرا في الاسفار ج 5 في الفن الرابع في اثبات الطبائع الخاصة للاجسام ص 157 و في الفصل 3 في ان القول بحدوث العالم مجمع عليه بين الانبياء والحكماء ص 206 وص207 ما نصه :
(( واعلم ان اساطين الحكمة المعتبرة عند طائفة ثمانية : ثلاثة من الملطيين : ثالس وانكسيمانس و أغاثاذيمون ومن اليونان خمسة : أنباذقلس وفيثاغورث وسقراط وافلاطن وارسطاطاليس قدس الله نفوسهم واشركنا الله في صالح دعائهم وبركتهم , فلقد اشرقت انوار الحكمة في العالم بسببهم وانتشرت علوم الربوبية في القلوب لسعيهم وكل هؤلاء كانوا حكماء زهادا عبادا متألهين معرضين عن الدنيا مقبلين على الاخرة فهؤلاء يسمّون بالحكمة المطلقة , ثم لم يسم احد بعد هولاء حكيما )) …..انتهى كلام الملا صدرا ….

ونحن نقول : اين ذهب الانبياء والاوصياء واتباعهم في التاريخ ؟؟!!! ماذا كان عمل الانبياء والاوصياء ؟؟؟ اين ذهب لقمان الحكيم ؟؟؟ هذا الكلام بلا دليل تاريخي وبلا دليل عقلي وهو من العجائب والغرائب التي تحيّر وتبلبل العقول والفطرة وهذا الكلام مما يندى له جبين الانسانية جمعاء لان فيه مصادرة لجهود كل الانبياء والاوصياء والرساليين في التاريخ فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم …..

ثانيا : ينقل الشيخ حسن حسن زادة املي في كتابه العرفان والحكمة المتعالية ص 36 وهو بالفارسية ما نصه :
(( ان جميع المباحث الرفيعة والعرشية للاسفار منقولة من الفصوص والفتوحات وبقية الصحف القيمة والكريمة للشيخ الاكبر وتلاميذه بلا واسطة او مع الواسطة …..واذا ما اعتبرنا كتاب الاسفار الكبير مدخلا او شرحا للفصوص والفتوحات فقد نطقنا بالصواب ))…

ويقول الشيخ حسن حسن زادة املي في الكتاب التذكاري ص 41 ما نصه :
(( كل ما لدى ملا صدرا هو من محيي الدين وقد جلس على مائدته )) ….انتهى كلام زادة املي

نقول :
اذن ملا صدرا لم يجلس على مائدة القران والعترة بل جلس على مائدة الابن العربی فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم…

ثالثا : ينقل الملا صدرا في شرح اصول الكافي ص 5 من الطبعة الحجرية ما نصه :
(( فليعذرني اخواننا اصحاب الفرقة الناجية ما افعله اثناء الشرح وتحقيق الكلام وتبيين المرام من الاستشهاد بعض المشائخ المشهورين عند الناس ( يقصد ابن عربي ) وان لم يكن مرضي الحال عندهم نظرا الى ما قال امامنا امير المؤمنين عليه السلام : ( لا تنظر الى من قال , وانظر الى ما قال ) ….)) انتهى كلام ملا صدرا الذي دأب على تذييل كلام ابن عربي بعد الاستشهاد به بهذه العبارة :
(( انتهى كلامه الشريف )) ……

ونحن نقول : وهل ابن عربي شريف حتى يكون كلامه كذلك !!! والله عجيب

ونسف كلام ملا صدرا السابق اتركه للشيخ المظفر في ترجمة صدر الدين الشيرازي ص 50 حيث قال ما نصه :
(( ويكثر من النقل عن محيي الدين بن عربي في جميع كتبه و لايذكره الا بالتقديس والتعظيم , كالتعبير عنه بالحكيم العارف والشيخ الجليل المحقق ونحو ذلك , بل في بعض المواضع ما يشعر بأن قوله عنده من النصوص الدينية التي يجب التصديق بها ولا يحتمل فيه الخطأ …..فعدّه من ائمة الكشف والشهود وجعله في صف امير المؤمنين عليه السلام و وصف كلامه بالشريف , يجعله اعظم من ان يصح فيه الاعتذار بأنه : ( لا تنظر الى من قال , وانظر الى ما قال !) …انتهى كلام الشيخ المظفر في ترجمة صدر الدين الشيرازي …

رابعا : يعتبر ملا صدرا في اسفاره ان الارادة من صفات الذات الالهية وهذا مئة بالمئة مخالف للقران والعترة ورأيهم الحق ان الارادة من صفات الفعل الالهي

خامسا : ان ملا صدرا اخذ كل دينه من الدراويش والصوفية ولم يأخذه من القران والعترة والدليل :
حين يقول مميت الدين بن عربي : ان فرعون مات مؤمنا طاهرا لانه بعد ايمانه لم يعمل ذنبا والاسلام يجب ما قبله كما ذكر ذلك في فصوصه يعلق ملا صدرا على هذا الكلام قائلا :
(( وهذا كلام يشم منه رائحة التحقيق )) …
وهذا الكلام من المصائب التي تكسر الظهر فلا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم

وهذا نص كلام ابن عربي في فصوص الحكم ج1 ص 212 ما نصه:
(( فامن بالذي امنت به بنو اسرائيل على التيقن بالنجاة فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي اراد فنجاه الله من عذاب الاخرة في نفسه ونجى بدنه كما قال تعالى : ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك اية ) يونس 92 لانه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم انه هو , فقد عمته النجاة حسا ومعنى . ومن حقت عليه كلمة العذاب الاخروي لا يؤمن ولو جاءته كل اية ( حتى يروا العذاب الاليم ) يونس 88 أي يذوقوا العذاب الاخروي فخرج فرعون من هذا الصنف ..)) انتهى الى هنا

واترك للقاريء اللبيب التفكر في هذه الخزعبلات المضحكة من فقه ودين الدراويش والمهلوسين والمرضى النفسيين …

سادسا : كل محتويات الاسفار هي نفس خزعبلات وخرافات الدراويش والصوفية , فالاسفار عبارة عن دين الدراويش والصوفية من قبيل : بسيط الحقيقة كل الاشياء ….. معطي الشيء ليس فاقدا له في ذات بل توجد في ذاته بوجه اشرف ….. ليس لله في الاشياء قبل ايجادها وجهين : ان شاء جعلها متحركة وان شاء جعلها ساكنة وانما له وجه واحد لان مشيئته احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك .. … مال اهل النار الى النعيم فانهم يتنعمون بالتعذيب ..الى غير ذلك من خرافات الدراويش والمهلوسين ….

سابعا : من العجائب والغرائب التي تدّهش العقول السليمة وتبلبل الفطرة الطاهرة ما ذكره ملا صدرا في جواز التفكّه بالمردان في مقام النفس الملهمة كما ورد ذلك في الاسفار الاربعة ج 7 الفصل 19 : في ذكر عشق الظرفاء والفتيان الاوجه الحسان ص 173 ما نصه :
(( …اوجدت العناية الربانية في نفوس الرجال البالغين رغبة في الصبيان وتعشقا ومحبة للغلمان الحسان الوجوه , ليكون ذلك داعيا لهم الى تأديبهم وتهذيبهم وتكميل نفوسهم الناقصة ….الى ان يقول ….هذا العشق النفساني للشخص الانساني اذا لم يكن مبدأه افراط الشهوة الحيوانية بل استحسان شمائل المعشوق وجودة تركيبه واعتدال مزاجه وحسن اخلاقه وتناسب حركاته وأفعاله وغنجه ودلاله معدودة من جملة الفضائل !!!!! وهو يرقق القلب !!!! ويذكي الذهن !!!! وينبه النفس على ادراك الامور الشريفة !!! , ولاجل ذلك أمر المشائخ مريديهم في الابتداء بالعشق ))….انتهى كلام ملا صدرا …
والرد عليه هو ما ذكره السيد كاظم الرشتي في كتابه تفسير اية الكرسي قائلا ما نصه :
(( يا إخواني لا تغّترّوا بأقوال بعض المتسمّين بالحكماء حيث رخّصوا أهل الدواعي النفسانية الشهوانية في عشق الصبيان والغلمان المردان وصرف بضاعة العمر في عشقهم الذي هوعين الطغيان بادعائه أنه اهل المجاز والمجاز قنطرة الحقيقة ، فاشتغلوا بها عن الصلاة والصيام والإقبال على الله والخضوع والخشوع والتضرّع له والابتهال إليه في السر والإعلان ، فلا يتوجّه إلى الصلاة لو وقف إليها ولا يقوم لله بعبادة ونسك ، فلو وقف للصلاة فهو مشغول بذلك الأمرد بل ربما يخاطبه فإذا ناداه وهو في الصلاة قطعها ولبّاه وإذا رآه شهق شهقة ونعق نعقة { كَأَنَّهُمْ حُمر مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } المدثر 50 -51 ، كيف يكون المجاز مخالفا للحقيقة مع أن الصلاة وجه المحبوب وأعلى ما يتوجّه به المحب إلى المحبوب الحقيقي حتى أنها صارت من أعظم أصول العبادة ، فيهدم الصلاة لأجل هذا الغلام ولحبّه ومع ذلك يدّعي أنه مجازا إلى الحقيقة ، ولا يبعد أن يكون إرادتهم من الحقيقة أمر آخر بتكرّم الإنسان عن ذكره بئس ما سوّلت لهم أنفسهم، والداهية العظمى أنهم يجعلونه مع هذا من المحسنات الإلهية حتى ، قال صاحب الأسفار : أنه من الأخلاق الإلهية المحمودة المترتبة عليها غايات شريفة وأنه فضيلة نفسانية ، وما أعجب ما استدل على هذا الطريق الباطل والمسلك الهائل بوجود هذا العشق في المبادئ العالية مثل أهل فارس وأهل العراق وأهل الشام والروم وكل قوم فيهم العلوم الدقيقة والآداب الحسنة والصنائع اللطيفة، وفقدانه في مثل الأكراد والأعراب والترك ، ويا سبحان الله ما عرف أن أكثر الناس لا يعقلون و{ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }1 { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } وأن أهل الحق قليلون { وَقَلِيلٌ َمَا هُمْ } { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ )والسر في ذلك عدم اطلاعه على حقيقة الأمر .

وها أنا أشير إلى ذلك مجملا فأقول اعلم أن الله سبحانه لما أمر اللطيفة الإلهية والحقيقة السرمدية بالإدبار لتصحيح الإقبال فنزل إلى الجماد وكلما كان بالفعل كان بالقوة وخفيت المبادئ العالية والعوالم الأولية فلما أمرها بالإقبال لإتمام الإدبار أخذ في الصعود فكل مقام وصل إليه رآه حسنا وحسبه منزلا لنسيانه تلك النفحات النورية والعوالم الغيبية ، وكل سافل يظهر في الصعود قبل العالي إلى أن وصل في صعوده إلى مقام النفس مقام الكثرة ومقام الاختلاف والصورة ورأى فضاء واسعا وعالما فسيحا أقام فيها ومكّن النفس في مدينة حقيقتها واستولت على عرش سلطنتها وإطاعتها الحواس والقوى والمشاعر فهي لا تشتهي إلا المخالف وبرهانه فليطلب من سائر رسائلنا ، فإذا ظهر العقل بعد تمكّنها واستقرارها ودعى القوى أن تتوجه إلى عالمه فإنه أحسن وأوسع وأشرف وفيه وجه المحبوب عصت النفس وصعبت على القوى إطاعتها لتمكّنها ومنعها ، فأرسل الله الرسل معينين ومظاهرين للعقل فكلّف سبحانه الخلق أي أمرهم بالكلفة والمشقة مع أن الطاعات كلها من مقتضيات العقل وراحة للملائكة العقليين ، ومشقّتها لما بيّنّا من صعوبة سلب ما عادت النفس عليه ولذا طلب الأكثر الراحة وما تقلّدوا بهذه القلادة وأقلّهم الذين قبلوا أكثرهم أنكروا ما يدعوهم إلى مخالفة النفس كثيرا كالولاية وأقلهم الذين قبلوا اقتصروا على الظواهر وغمضوا عن البواطن وما قتلوا أنفسهم إلا قليل قليل قليل وقد قال الإمام الكاظم عليه السلام ما معناه (( لو غربلت شيعتي ما خلص من الألف واحد )) مع أن كون هذا العشق من مشتهيات النفس في عالم الأعراض مما لا شك فيه لأن الصورة هي التي تدركها النفس وتميل إليها وليست في العالم العقلي صورة ولا شهوة إلا وجه الله وطاعته ، وما كان أهل فارس والروم من المبادئ العالية إلا من جهة شيوع اشتغالهم بالكثرات وغلبة الفسق والكفر فيهم ويجب أن يقال الرشد في خلافهم كما قالوا عليهم السلام ، وأما علومهم فليست مما يتعلّق بالدين ولو فرض ذلك فإنما هي صناعات لأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ، ولا عمل إلا ذكر الله وليس ذكر الله إلا كما حدده الله في الكتاب وبيّنه رسله وخلفاؤه فمن تعدى ذلك الحدّ فقد استوجب الحدّ واستحق الرد ، وأما الأكراد والأعراب الذين أشار إليهم فهم بعدما ترقّوا من عالم الحس والجماديّة كلّهم خشب مسنّدة وما التفتوا إلى ما التفتت تلك المبادئ العالية من تسخير سلطان النفس إياهم ولَيْتَهم أيضا ما وصلوا وما ترقّوا وما التفتوا ليسلم الناس من شرّهم ، واعلم أن شرافة الكينونة هي الصور الإنسانية وحدودها التقوى والحب في الله والاشتغال بذكر المحبوب كما أراد منه { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ } فإذا نقص شيء منها نقصت إنسانية وجاءت شيطانية وهل تجد تلك الحدود وخواصّ الإنسانية التي هي العلم والحلم والفكر والذكر والنباهة والنزاهة والحكمة في أهل فارس والروم التي أشار إليهم وهل وجدت هذا العشق عند أحد من خواص الأئمة سلام الله عليهم في مبادئ أمورهم وأوساطهم أو نهايتهم ، وما كان ذلك إلا دأب العباسيين وخلفاء الجور وخلفاء الشياطين ، ولما كان التصوف إنما وضع لإطفاء نور الله المبين وصد الناس عن أهل بيت العصمة والطهارة ، وكانت رغبة الخلفاء في محبة الغلمان والنسوان واستماع الغناء وكذلك طبائع الناس لكونهم في مقام النفس إلى هذه الأمور أميل رخصهم الصوفية الملحدون في ذلك وحببوا إليهم الكفر والفسوق والعصيان ثم مّوّهوها ببعض التمويهات واستدلوا عليها ببعض المزخرفات ليجلبوا الناس إليهم فإنهم همج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، وجاء بعض المتشبّثين بالولاية حيث لم يدخلوا فيها بقدم ثابت وقلب مطمئن روي ولم يردوا على حوض ولاية أهل البيت عليهم السلام وإن ادّعوا ذلك وقلوبهم ناشفة عطاشى فوجدوا هذا السراب يلوح كأنه ماء فولجوا فاشتدوا ضماء وعطشا { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا } .

قال صاحب الأسفار ( وأما العناية في هذا العشق الموجود في الظرفاء وذوي لطافة الطبع فلما ترتب عليه من تأديب الغلمان وتربية الصبيان وتهذيبهم وتعليمهم العلوم الجزئية كالنحو واللغة والبيان والهندسة وغيرها والصنائع الدقيقة والآداب الحميدة والأشعار اللطيفة الموزونة والنغمات الطيبة وتعليمهم القصص والأخبار والحكايات الغريبة والأحاديث المروية إلى غير ذلك من الكمالات النفسانية فإن الأطفال إذا استغنوا عن تربية الآباء والأمهات فهم بعد محتاجون إلى تعليم الأساتيذ والمعلّمين وحسن توجّههم والتفاتهم إليهم بنظر الإشفاق والتعطف فمن أجل ذلك أوجدت العناية الربانية في نفوس الرجال البالغين رغبة في الصبيان وتعشّقا ومحبة للغلمان والحسان الوجوه ليكون ذلك داعيا لهم إلى تأديبهم وتهذيبهم وتكميل نفوسهم الناقصة وتبليغهم إلى الغايات في إيجاد نفوسهم وإلا لما خلق الله هذه الرغبة والمحبة في أكثر الظرفاء والعلماء عبثا وهباء فلا بد في ارتكاز هذا العشق النفساني في النفوس اللطيفة والقلوب الرقيقة الغير القاسية ولا الجافة من فائدة حكمية وغاية صحيحة ، ونحن نشاهد ترتب هذه الغايات التي ذكرناها فلا محال يكون هذا العشق في الإنسان معدودا من جملة الفضائل والمحسنات لا من جملة الرذائل والسيئات ) انتهى كلامه

قوله ( فلما يترتّب عليه من تربية الغلمان .. الخ ) ، إن أراد كل الغلمان وكل الصبيان أو بعضها ممن له الشمائل الحسنة وتناسب الأعضاء وجودة التركيب قبل أن يبلغوا حدّ الالتحاء فإن أراد الأول فباطل بالضرورة إذ غالب الغلمان والصبيان ليسوا ممن يريده حتى بل ليس فيهم إلا القليل من الكثير أقل من الواحد بالألف ، بل أكثر أفراد الناس وأغلبهم بل كل أهل السواحل والبحر وبلاد الحبش والسودان وأطراف اليمن والمواضع التي غلبت فيها الحرارة واليبوسة من ذلك القبيل، والمواضع التي يمكن أن يتحصّل من ذكر لا يحصل إلا قليل ، فعلى هذا يلزم ألا تتعلّق العناية الإلهية في تربية أغلب أفراد الناس وأكثرهم وجلّ الصبيان والغلمان وتكون العناية خاصّة بمن وجدت فيهم الشمائل اللطيفة ، فعلى هذا لا يبقى إلا القول بأحد الأمرين إما أن الله سبحانه أيضا يعشق الصبيان حتى جعل العناية بالنسبة إليهم أشد وأكثر بالنسبة إلى غيرهم تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا ، أو أنه رجح من غير مرجّح ، أو أن عدم جودة الشمائل يستلزم عدم حسن الذات في الواقع وجودتها تستلزم حسن الذات حتى تكون مرجحة ، فعلى هذا يلزم أن يكون أغلب الأنبياء مبغوضين عند الله وكذا لقمان الذي آتاه الله الحكمة وكذا مؤمن آل فرعون وأغلب الأخيار والصلحاء والمؤمنين والعلماء والمتقين من القسم الأول لا الثاني ، ويلزم أن يكون صبيان الكفار وغلمانهم ومعاندي الحق كلهم محمودون لأن حسن ظاهرهم دليل حسن باطنهم، وقوله هذا في الباطل أظهر من أن يرد ولا يشبه هذا القول بقول حكيم قوله ( والأشعار اللطيفة والنغمات الطيبة .. إلخ ) ، فيه أنه ليست تعليم هذه الأمور من العناية الربانية فإن العقل والنقل دالاّن على مذمّة هذه الأمور ، ولوفرضنا إباحتها ينبغي ترك هذه الآداب للصبيان لأنها كلها جهات النفس الأمارة بالسوء وهي تعينها إلى مطالبها من الشهوات ولذا ورد النهي عن تعليم النسوان سورة يوسف عليه السلام والأمر بتعليمهم سورة النور وكذا الصبيان فإنهم في أول الأمر لسذاجة طبائعهم يجب أن يعلّموهم المواعظ والنصائح وأحاديث أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ويعلّمونهم طريقة الزهد والعبادة والنسك والطاعات ويزرون عنهم الأشعار والنغمات والقصص والحكايات ولذا قال عليه السلام ما معناه ( إن البطن يمتلئ قبحا خير من أن يمتلئ شعرا ) فإن الناس ما مالوا إلى التصوّف وإلى العشق وإلى الزنا واللواط إلا من جهة الأشعار والنغمات وأهل الأنس من أهل الملاهي وهو عند المؤمن الممتحن معروف وشرح ذلك يحتاج إلى تطويل المقال والعاقل تكفيه الإشارة .

قوله ( وإلا لما خلق الله هذه الرغبة في أكثر الظرفاء والعلماء ) فيه إن هذه الخلقة بسر الأمر بين الأمرين لا تدل على حسن ذلك لأن الله خالق كل شيء كتب الإيمان في قلوب المؤمنين بإيمانهم وخلق الكفر في قلوب الكافرين بكفرهم قال عز وجل { بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ )وخلق الشك والوهم والقساوة والريبة في القلوب على حسب مقتضيات طلباتها ، ولا شك أن أغلب الناس لو تركوا وشهوتهم لا شك أن رغبتهم إلى المعاصي كأنواع الفجور وشرب الخمر وأمثال ذلك أكثر من رغبتهم إلى الطاعات ، بل أغلب الناس ليست عندهم رغبة إلى الطاعة فيتكلّفون لذلك ، فعلى هذا يجب أن تكون المعاصي أحب إلى الله وإلا لما خلق الله هذه الرغبة في طبائع أكثر الظرفاء والعلماء ، فإن قلت إن العلماء لا يرغبون ، قلت عدم الرغبة لنهي الله لا لاقتضاء طبائعهم إلا قليل من المؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث والكيف واللّم وعرفوا مبادئ المعاصي ومبادئ الطاعات وسر الشريعة وهؤلاء أعز من الكبريت الأحمر وهؤلاء أيضا لا يرغبون في هذا العشق أبداً ولا يلتفتون أبدا لأنهم قد صعدوا وتجاوزوا عن مقام الصورة ، وبالجملة كل مؤمن مراقب لله وعظمته وقيّوميته مشتغل بطاعته وعبادته معرض عن هذا العشق ، ولذا ما نقل عن أكابر الصحابة من أحدهم هذا الأمر ولو فعلوا لوصل إلينا كما وصل إلينا مخفيات أمورهم ، نعم الظرفاء والعلماء الذين استشهد هو برغبتهم في السابقين بنوا أميّة وبنوا العباس لأنهم كانوا شديدي الرغبة في هذا العشق ولقد قال يزيد لعنه الله في مدح غلام أمرد :
دعوت بماء في إناء فجاءني غلام بها خمر فأوسعته زجرا فقال هوالماء القراح وإنما
… تجلى له خدّي فأوهمك الخمرا

وهكذا غيرهم يطول الكلام بذكر أحوالهم وشدّة انهماكهم في هذا العشق ، وظهور هذا الأمر الشنيع في الغاية والنهاية إنما كان في دولة بني العباس حتى أنهم كانوا يعقدون المجالس فإذا سمعوا شيئا يذكرهم معشوقهم كانوا يشهقون ويقطعون ثيابهم ويغشى عليهم وأمرهم مشهور ، وفي هذا الزمان الظرفاء الجامعون لهذه الصفة الطيبة هم الحكام وخدّام السلاطين والفسّاق المتجاهرون والذين لا يبالون بصيام ولا صلاة ولا نسك ، وأما العلماء المشار إليهم فهم ليسوا إلا الصوفية ومن تبعهم من المنافقين المذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وأما علماء أهل البيت عليه السلام الذين كانت ترد التوقيعات في مدحهم وجلالة شأنهم عموما وخصوصا كالأبواب الأربعة حتى قال بعض العلماء أنهم معصومون وكوالد الصدوق علي بن الحسين بن بابويه الذي ورد التوقيع في حقّه ويخاطبه الإمام الغائب عليه السلام ( شيخي وأبي وثقتي ) وكالكليني ثقة الإسلام وكالمفيد الذي ورود التوقيعات عليه خرق الأسماع وما بعدهم من علمائنا كالمقدّس الأردبيلي والعلامة والمحقق والشهيدين وأمثالهم من الأكابر من أهل الباطن والظاهر فما عهد منهم ظهور هذا الأمر الشنيع ولم يزل دأبهم وديدنهم الرد عليه والنهي عنه وهذا شيء معلوم ، أتجوِّز أن تقول أن هؤلاء وأمثالهم أرباب القلوب القاسية والجافة ، فإن قلت هكذا فلا جواب لك عندنا ، وإن قلت قد كان عندهم فلا يظهرونه فلا يمكن في العادة إذ ما من خصلة في شخص تخفى فلا بد أن تظهر ولو بعد حين مع أن هذا شيء أقرب الأشياء إلى الإظهار كما أنه قد ظهر من غيرهم من العلماء الذين يزعمون أنهم أهل ورع وتشمير ، وقد ظهر ذلك من الصوفية وباصطلاحكم من العارفين ، وأنتم في ما تزعمون أن أهل الباطن أشد احتمالا من أهل الظاهر فإذا ما احتمل أهل الباطن بزعمكم حتى أظهروه فأهل الظاهر أولى بذلك مع أن احتمال الوجود فيهم موهوم مرجوح فلا يصار إليه إلا بدليل قطعي فلو فتح هذا الباب أي المصير إلى كل شيء ممكن محتمل فيبطل أساس الدين، مع أنه ادّعى ظهور ذلك في العلماء وقد ثبت أن أولئك العلماء ليسوا من علماء أهل البيت عليهم السلام كما أنه الآن ديدنهم وطريقتهم لا ينكرون ذلك ولو لم يكن شيء في إبطال هذا الأمر إلا شيوعه عند الصوفية والعامة لكان كافياً في إبطاله وتزييفه لأن الرشد في خلافهم وقد قال الله عز وجل{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }وقال علي بن الحسين عليه السلام في الصحيفة (( لا علم إلا خشيتك ولا حلم إلا الإيمان بك ، ليس لمن لم يخشك علم، ولا لمن لم يؤمن بك حكم )) والذي يخشى الله لا ينسى الله، والعاشق حين التفاته إلى معشوقه لا يذكر الله أبدا، وقد ذكر لي بعضهم أن قد التهيت بمعشوقي من أول الظهر وفقدت شعوري وإدراكي وما تنبّهت إلا وقد رأيت أن الدنيا قد اظلمّت والسرج قد علقت قلت ما الخبر قالوا جاء الليل وأنا ما صلّيت صلاة الظهر والعصر ، هل هذا من خشية الله { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ )…

… ثم قال صاحب الأسفار ( ولكن ولعمري هذا العشق ترك النفس فارغة عن جميع الهموم الدنياوية إلا هم واحد، فمن حيث يجعل الهموم على واحد … إلى آخر ما قال ) ، وأنت خبير بأن الهم الواحد إن كان هوالله سبحانه هو المطلوب والمنى ، وأما غير الله فلا حسن فيه بل فيه قبح فإن الشخص وإن كان في عالم وقوفه له شؤون كثيرة لكنها ليست بثابتة بحيث لا تشغله عن كل شيء والكثرة دليل عدم الثبات فتساقط حال التعارف وينفق للشخص التخلية والإقبال إلى الله في بعض الأحيان وبعض الأحوال بل في أغلب الأحوال لكنه في تلك الحالة الميشومة المسماة بالعشق لا يرى لغير معشوقه تحقق وتأصّل لا يبوح في ذكره وفكره في الخلوات وأوقات الصلاة بل لا يلتفت إلى الله أبدا في تلك الحالات ويقطع الرحم وكل شيء يقطعه عن معشوقه وإن كان طاعة لله عز وجل شأنه فيكون العاشق في تلك الأحوال مشركا إلى أن يخرج منها وهو في محل الشك ، والغالب أن النفس إذا تعودت بذلك لا تفارقة أبدا بل تنتقل إلى الآخر إذ ارتفع حسن الأول كما قال شاعرهم : ورد كل صاف لا تكن عند مورود تنقل فلذّات الهوى في التنقل , نعوذ بالله من مضلات الفتن ، يا أخي تنّبه عن سنة الغفلة واعلم أن الله سبحانه لا يتوجّه إليه من جهة الغفلة عنه ولا سبيل إليه إلا بما دلوا وأمروا عن الله سبحانه وهم المعصومون المطهّرون المنزّهون عن الأخطاء والزلل، ودع غيرهم إن كنت آمنت بهم فإنهم الأعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتهم وطريق هدايتهم، فحبك للولي عليه السلام هو عين حبه لك بك لأنك مثاله وظهور جماله، بل الإنسان مثال المثال وجمال الجمال، فحبّك له عليه السلام هو توجّهك إلى جهته التي ظهرت لك وتلك الجهة هي نور جماله الظاهر فيك فأحبك بذلك النور لأنه مثاله وآيته ودليله فأظهر ذلك المثال إن كنت صادقا في حبه في كل أطوارك فيكون سمعك وبصرك ويدك ورجلك لأن هذه القوى والمشاعر شئونات ذلك النور والمثال وحكايات له ، فإن كان الرجل غير ملتفت إلى المحبة وغير ملتفت إلى جهة المحبوب تستقل هذه القوى والمشاعر بالاستقلال الاجتثاثي ، وإن كانت ملتفتا و ناظرا ومنقطعا عن وجدان نفسه بدا الظهور الذي هو ذات الشخص ونفسه فغيب الصفات والشئون فقال بي يسمع وبي يبصر كما تقول أنا سمعت وأنا رأيت ، ولا شك أن هذا السماع الخاص والإبصار الخاص ليسا عين ذاتك وإنما هما ظهوران من ظهورات ذاتك ، ولما كان الظهور فانيا مضمحلا عند الذات نسبتهما وأشباههما إليك وكذلك الحق عز وجل كما قال في الحديث القدسي (( لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل والعبادات حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن استعاذني أعذته ))1?، فإذا عرفت أن الكلام لا يقع في ذاته تعالى والمتكلم هو صفته علمت بأن المتكلم في هذا الحديث الشريف هو مكلم موسى في الشجرة بأني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ، وذلك المتكلم عن الله رجل من الكروبيين وذلك يأخذ عن رجل من العالين وذلك يأخذ عن نفس دلالة الكلام المتحصّلة من الكلمة المتحصّلة من نفسها بالله سبحانه ولا يحسن التعبير عن حقيقية العبارة عن حقيقة الإرادة إلا أن في الكلام إشارة صريحة إلى المراد يعرفه أهل الفؤاد فقوله عز وجل ( كنت سمعه .. إلخ ) كقوله عز وجل ( الكعبة بيتي ) { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } فيكون هذا الذي يكون سمعا وبصرا للمحب هو الولي بظهوره للشخص لا بذاته وهذا مقام الودّ ، وأما في ( مقام هو نحن ونحن هو ) فهو أيضا ذلك الظهور لأن ظهور الظهور من حيث الظهور ظهور وهو معنى قوله عليه السلام (( نحن الأعراف الذي لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا ))على أعلى المعاني وقولهم عليهم السلام (( بنا عرف الله وبنا عبد الله )فيوم الحشر إلى الله في الظاهر والباطن والحقيقي والمجازي تختصر فيه النجاة في حب عليّ أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الطيبين الطاهرين المعصومين عليهم السلام والصدّيقة الطاهرة عليها السلام مع السيد الأكبر صلى الله عليه وآله وسلم على ما شرحت وفصّلت ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم ..

ثامنا : يذكر صاحب كتاب التحفة الرضوية في المجربات الامامية ان اقتناء كتب الفلسفة والعرفان كالمنظومة لملا هادي السبزواري والاسفار وغيرها تجلب الفاقة والنحوسة والمصائب والبلاوي …فاجتنبوها يرحمنا ويرحمكم الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button