استفتائاتمقالات

فتنة الفلسفة والفلاسفة و العرفاء والمتصوفة – آیة الله العظمیٰ الشیخ لطف الله الصافی الكلبايكانی

فتنة الفلسفة والفلاسفة

لما شاع من عصر المأمون فلسفة اليونانيين بين المسلمين صارت نصوص الإسلام سيّما في اصول الدين غرضاً لتأويلات المتفلسفين. فصرفوا النصوص علي آرائهم. و عدّ من الثقافة الخروج من نصوص الشريعه و ظواهرها و تأويلها علي ما يوافق ما حرروها في الفلسفة حتي في الطبيعيات. فبعدوا و أبعدو الناس عن مفاهيم نصوص الدين، في التوحيد والصفات و مفهوم الحدوث والقدم والخالق و المخلوق و غيرها فأولوها بما لا يوافق ظواهرها.

فبنوا دينهم علي الظنون و الزعوم و فسروه بما لا يرتضيه صاحبه و أهل تفسيره. فقررو المعارف العالية علي الاسس التي قرّرها الذين لم يسلكوا مسلك الأنبياء، و لم يستضيئوا من نور هدايتهم السماوي. فاستقلوا بعقولهم و مشوا في مذاهبهم وجاءوا بأِصطلاحات التي لا توافق اصطلاحات القرآن الكريم. و وقعوا في القول بالاءِيجاب والحلول والاتحاد و وحدة الوجود.

و فسروا ربط الحادث بالقديم كربط المعلول بالعلّة لا كربط المخلوق بالخالق مع الفرق الواضح بين الاصطلاحين. فكم فرق بين الخالق والمخلوق والعلّة والمعلول؟ لا يدرك بالاصطلاح الثاني ما يدرك بالاصطلاح الأول، و ما يدرك من الثاني لا يدرك من الأول. لا يتّحد الطريقان و لا ينتهيان أِلي مقصد واحد.

والعلّة يعبّرون عنها بالعلّة الأولي والثانية و . . . و أما الخالق فلا يعبّر عنه بالخالق الأوّل والثاني و كذا المعلول الأول والثاني والثالث. . . و لا يقال المخلوق الأول والثاني والثالث. (نعم جاء في بعض الأحاديث أوّل ما خلق الله . . . ولكن المراد منه ليس ما يريد هؤلاء من المعلول الأوّل المسمّي بالعلّة الثانية والعقل الثاني والمعلول الثاني للعلّة الثانية و . و . . .) فجميع المخلوقات و أِن وقعت خلقة بعضهم في طول خلقة البعض الأخر، مخلوقون لخالق واحد نسبة الجميع أِليه سواء لا كالمعلول الثاني، والعلّة الثالثه الذي هو معلول للمعلول الأوّل والعلّة الثانية و . و . . .

و كتب الفلاسفة مع ما يوجد فيها مما يوافق وحي السماء لا يوافق جميع مباحثها مع الوحي و ما هو ثابت بالكتاب والسنّة. ففيها الغثّ والسمين والحق والباطل، و ما يتّفق مع ما جاء به الأنبياء و ما يخالفه و ذلك لأنّهم سيّما القدماء منهم اقتنعوا واستغنوا بمنسوجاتهم عمّا جاء به رسل الله تعالي واستقلّوا بعقولهم عن هدايتهم فيما لا يهتدي العقل اليه لولا هداية الأنبياء.

والذين جاؤا بعدهم سلكوا مسالكهم واتبعوا طريقهم غير انهم سعوا بعد ما أثبتوا عليه في مسائل تطبيق الكتاب والسنّة عليه. فكأنّهم ارادوا أن ينزّهوا المشرّع عمّا وصل أِليه عقولهم.

ولذا لم يأمنوا عن الأخطاء والعثرة والزلّة أِلا القليل منهم. فنرى أِن أِثنان من أشهر حكماء المعاصرين بالغا في تخطئة اثنين من مشاهير الفلاسفة في مسألة المعاد الجسماني حتي رماهما نعوذ بالله منه. (راجع رسالة الخاجوئي محمد أِسماعيل المازندراني في تفسير قوله تعالي: و كان عرشه علي الماء.)

هذا مع انهم تكلّفوا الكلام فيما لم يكلّفوا بالتكلّف فيه، بل نهوا عنه.

فهل هؤلاء يسلكون سبيل أرسطو وأفلاطون وسقراط والرواقيين والمشائيين، والفارابي وابن سينا وغيرهم؟ أم هم المهتدون بهدي محمد و أهل بيته صلّى الله عليهم، والسالكون سبيلهم.

نحن لا نحكم على الجميع على أِنهم من الطائفة الأولى أو الثانية و نرجو أن يكون جلّ فلاسفة المسلمين من الثانية وأما حسابهم فعلى الله تعالى.

فتنة العرفاء والمتصوفة

ومن الذين بنوا أمرهم على تأويل النصوص و صرفها على ما يوافق أهوائهم و خيالاتهم و أعظمهم ضرراً و أقبحهم تأويلاً الطائفة المتسمّية بالعرفاء والمتصوفة.

الذين لعبوا بأصول الدين و فروعه و طبّقوها على آرائهم الفاسدة و صحّحوا بها أعمالهم الخبيثة. لهم مقالات واهية و كلمات باطلة. حرّموا الحلال و حلّلوا الحرام، و جاءوا مع أِختلافهم في سيرهم و سلوكهم و سلاسلهم بما يخالف صريح النصوص، و تأويلات أوهن من بيوت العنكبوت.

و حسبك في ذالك أن تطالع بعض كتبهم و تاريخ رؤسائهم و أشعارهم حتى تعرف أِنهم من العرفان الحقيقي و من الشرع أبعد من الأرض عن السماء. أعاذ الله المسلمين من شرورهم فلم يتقهقروا أِلّا لأِشتغالهم بترّهات هؤلاء وأِنصرافهم عن التمسّك بالثقلين.

وأكثر ضرراً من هاتين الطائفتين على أنفسهم و على غيرهم من خلط ما تسمّيه هؤلاء بالعرفان بفلسفة اليونان فزاد في الطنبور نغمة أخرى.

وأِن شئت أن تعرف ما عليه المتصوفة و من سلك مسالكهم فراجع تفسير ملا عبد الرزاق القاساني تجد فيه كثيراً من هذه التأويلات.

فأِنّه في مثل الآية الكريمة: <<وانظر الى حمارك>> (البقرة: الآية ٢٥٩) تأول الحمار بالعزير النبي (تفسير ملّا عبد الرزاق: ج ١، ص ١٤٧) والصفا والمروة بالقلب والنفس (تفسير ملّا عبد الرزاق: ج ١، ص ١٠٠)، <<وأما الجدار فكان لغلامين يتيمَين في المدينة>> (سورة الكهف: الآية ٨٢) بالعقل النظري والعقل العملي، و في خلقكم من نفس واحدة، تأول النفس بالنفس الناطقة، وفي: خلق منها زوجها تأول الزوج بالنفس الحيوانية.

والتأويلات الفاسدة في كلماتهم كثيرة جداً، فراجع الفصوص و غيرها ولا يهمّنا ذكر أكثر من ذلك، والغرض الأِشارة أِلى فساد الطريقة.

منبع: آیة الله العظمي الشیخ لطف الله الصافی الكلبايكانی، ”لمحاتٌ فی الکتاب والحدیث والمذہب“، الجزء الثالث، الصفحات ٣٨٨ – ٣٩٢، مكتبة آية الله العظمي الصافي، قم، ١٣٩١۔

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button